لخدمة الإنسان وحفظ تاريخه .. مزادات خيرية فنية

لخدمة الإنسان وحفظ تاريخه .. مزادات خيرية فنية
لخدمة الإنسان وحفظ تاريخه .. مزادات خيرية فنية
لخدمة الإنسان وحفظ تاريخه .. مزادات خيرية فنية

يثبت الفن في كل مرة قدرته على خدمة الإنسان بطريقته الخاصة والفريدة، وقدرته أيضا على الإنفاق في وجوه الخير المختلفة، بعد أن كان نفعه ينحصر في إذكاء الذائقة الفنية، وأهميته كخطاب ثقافي وحضاري.
وفي جدة، كان للفن كلمته من خلال معرض "فن من أجل البلد"، والذي نظمته وزارة الثقافة بالتعاون مع دار كريستيز هذا الأسبوع، وعرض 43 عملا فنيا من أرقى أعمال فنانين من جميع أنحاء العالم العربي للبيع، فيما خصصت الإيرادات لبناء متحف في منطقة البلد بجدة، المدرجة رسميا على لائحة اليونسكو للتراث العالمي، كما خصص جانب من الأرباح لتعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

انطلاقة واعدة

معرض "فن من أجل البلد"، الذي أقيم في بيت نصيف بقلب الحي التاريخي بمدينة جدة، شهد عرض لوحة للأمير بدر بن عبدالمحسن بعنوان "إلى أين"، ولوحات لفنانين سعوديين مثل عبدالناصر الغارم، وناصر السالم، وراشد الشعشعي، وأحمد عنقاوي، وعبدالله حماس، وعبدالحليم رضوي، وعبدالرحمن السليمان، وعبدالله الشيخ، ويوسف جاها، ومعاذ العوفي، وأيمن زيداني، وفنانات مثل شادية عالم ومها الملوح ونجلاء السليم، إلى جانب آخرين من العالم العربي، مثل سليمان منصور من فلسطين، وأسامة بعلبكي وسمير صايغ من لبنان، ونجا مهداوي من تونس وآخرين من مصر والعراق والجزائر، فيما لم تفصح وزارة الثقافة عن القيمة الإجمالية للوحات.

ويبشر المزاد الخيري بانطلاقة واعدة ومحترفة للمزادات الفنية في السعودية، فالمزادات الفنية عادة تعد ركيزة أساسية تعتمد عليها أسواق الفن في العالم، خصوصا إن تمت بإشراف خبرات عالمية، مثل دار كريستيز، التي أسست في بريطانيا عام 1766، وتنظم نحو 350 مزادا سنويا في 80 مجالا مختلفا، بحصيلة مبيعات إجمالية سنوية تتجاوز سبعة مليارات دولار، وتملك من الخبرة والتاريخ ما يجعلها تساهم في نشوء حركة فنية مبنية، وفق أسس صحيحة وراسخة في المملكة.

ليست المرة الأولى في المملكة

لم يكن مزاد جدة هو المرة الأولى، التي يثبت فيها الفن أنه قادر على خدمة الإنسان السعودي، ففي قصر الملك فيصل في حي المعذر في مدينة الرياض كان للأمير خالد الفيصل بصمة إنسانية، حينما عرض 30 لوحة فنية من أعماله التشكيلية للبيع في مزاد علني، تبرع فيها لدعم جامعة الفيصل.
معرض "أديم الوطن" شهد إقبالا كبيرا، وبيعت فيه كل اللوحات، بقيمة إجمالية بلغت 21 مليون ريال، حيث شهدت الليلة الأولى للمعرض مزادا على سبع لوحات، بيعت بعشرة ملايين ريال، تضمنت لوحتي "الكعبة المشرفة" و"قمر وعلم" بمبلغ أربعة ملايين ريال، في حين جاءت "لوحة الراعي" أقل قطعة فنية من حيث السعر وبيعت بنصف مليون ريال.
وفي اليوم الثاني، بيعت باقي اللوحات 22 لوحة، بـ11 مليون ريال، فيما أهدى الفيصل لوحة رسمها لخادم الحرمين الشريفين، للملك سلمان بن عبدالعزيز، وذلك حينما دشن المعرض وتجول فيه، وشاهد نخبة من اللوحات، التي أبدعتها ريشة مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس مجلس أمناء جامعة الفيصل.
أما الإقبال على المعرض ففاق التوقعات، استقطب عددا كبيرا من ذواقة الفن المهتمين بـ"مدرسة خالد الفيصل في الفن التشكيلي"، نظرا للقيمة الفنية العالية، وندرة الأعمال، التي يرسمها الأمير خالد الفيصل.

أكبر مزاد في العالم

على نحو آخر، يوثق العالم أن شهر مايو من 2018 شهد إقامة أكبر مزاد خيري في تاريخ الفن، شارك فيه 1800 عمل، ويضم أعمالا من آسيا وأوروبا، ولوحات من القرن الـ19 وأخرى من الفن الأمريكي، ومجموعة من أعمال الفن الانطباعي والحديث.
ريع المزاد التاريخي وجه بالكامل للأعمال الخيرية، مثل جامعة هارفارد، ومتحف الفن الحديث، وأمريكان فارم لاند ترست وغيرها، حيث يعد إقامة المزادات الفنية لدعم الجامعات أمرا شائعا عالميا، وشهد هذا المزاد بيع قطع نادرة من مجموعة ديفيد وبيغي روكفلر في دار كريستيز في نيويورك، وهي الدار ذاتها، التي ساهمت في إنجاح مزاد جدة الخيري.
وتخطت مبيعات لوحات بيكاسو وماتيس ومونيه التوقعات المسبقة بـ100 مليون دولار، وتربعت لوحة بيكاسو "الفتاة ذات الأزهار" من المرحلة الوردية للفنان، على قائمة المبيعات بعد أن بيعت بـ15 مليون دولار، تبعتها لوحة "زنابق الماء" لمونيه وحققت نحو 85 مليون دولار، بينما حققت لوحة لـ"هنري ماتيس" تصور امرأة مستلقية نحو 81 مليون دولار، وفي المجمل بيعت سبع لوحات في الليلة الأولى وحققت مجتمعة مبلغ 30 مليون دولار، بينما حققت لوحات أخرى أرقاما قياسية لفنانيها مثل لوحات ماتيس ومونيه وكورو وديلاكروا، وتنافس المزايدون من 34 دولة من آسيـــــا وأوروبا وأمريـــكا الشمالية والجنوبية وأستراليا في المزاد التاريخي.

الدولارات الثقافية

وفي جانب ذي صلة بريع المزادات الفنية، يتساءل بعضهم من غير المتخصصين عن سبب غلاء ثمن بعض اللوحات الفنية، والتي تساوي في بعض الأحيان قيمة العقارات والمباني، والمجوهرات والمقتنيات الثمينة.
بحسب تقرير لمجلة نيوزويك الأمريكية بعنوان "لماذا الفن غالٍ جدا؟"، فإن هناك مجموعة من التفسيرات لذلك، فالدولار الذي ينفق على الفن يطلق عليه بعضهم "دولارات ثقافية".
ولعل هذه الدولارات، التي تنفق في الفن واللوحات التشكيلية تخضع لعوامل عدة، فهي تخضع عادة لمبدأ العرض والطلب، خصوصا تلك اللوحات، التي رسمها فنانون متوفون، لذا؛ فإن الفنان لن يرسم مثلها مجددا، فتبقى فريدة من نوعها.
كما أن سوق الفن تنافسية بطبعها، مثلها مثل سوق السيارات، وتلعب فيها شهرة الفنان دورا كبيرا، تماما مثل فناني هوليوود وفنانين آخرين من غير المشاهير، فيما تكتسب بعض اللوحات ثمنها المرتفع من جماليتها وتوثيقها للأحداث، مثل الثورة الفرنسية والأحداث الدينية، أو من غرابتها. يأتي ذلك في الوقت، الذي يعده بعض الاقتصاديين استثمارا جيدا، من أجل تنويع المحفظة الاستثمارية، أو الاحتفاظ بها، حينما تسوء الأمور المالية وعدم توفر السيولة، فيما يكشف اقتصاديون للمجلة الأمريكية أنه ليس بالضرورة أن يكون المستثمر فاحش الثراء للاستثمار في الأعمال الفنية، فهناك مزادات ومعارض فنية، منها معارض إلكترونية، تستهدف المشترين أصحاب الميزانيات المتواضعة، بمتوسط سعر بيع يبلغ 600 جنيه إسترليني (نحو ثلاثة آلاف ريال).
يذكر أن تقرير شركة ديلويت السنوي الخاص بالفن ذكر أن كبار الأغنياء في العالم سينفقون بحلول 2026 نحو 2.7 تريليون دولار على الفن.

الأكثر قراءة