مستجدات آفاق الاقتصاد الإقليمي في الشرق الأوسط
ضَعُف النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان MENAP، لكنه لا يزال مستقرا بوجه عام في القوقاز وآسيا الوسطى CCA، ويمثل عدم استقرار أسعار النفط، وتقييد الإنتاج النفطي، وتضييق الأوضاع النقدية المحلية في معظم البلدان المصدرة للنفط بمنزلة مؤثرات معاكسة أخرى تضاف إلى التأثير المعاكس لتباطؤ النمو العالمي. ويؤدي ارتفاع الدين العام في البلدان المستوردة للنفط إلى الحد من قدرتها على تلبية احتياجاتها الأساسية المتعلقة بالبنية التحتية والإنفاق الاجتماعي، كما يؤدي إلى كبح النمو، وتعريض الاقتصادات للصدمات الخارجية. ونظرا لزيادة صعوبة البيئة الخارجية، فإن الحاجة أكثر إلحاحا إلى بذل جهود أكبر في كل المناطق من أجل تحقيق الضبط المالي والإصلاحات الهيكلية بصورة مواتية للنمو، لتعزيز صلابة الاقتصاد وتحقيق نمو أعلى بقيادة القطاع الخاص وعلى نحو أكثر شمولا لجميع شرائح المواطنين.
يفرض تباطؤ النمو العالمي، وتصاعد التوترات التجارية والجغرافية -السياسية تحديات اقتصادية على بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان MENAP، وذلك حسبما جاء في آخر عدد أصدره صندوق النقد الدولي من تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي. وإضافة إلى ذلك، تؤثر أسعار النفط المنخفضة والمتقلبة تأثيرا سلبيا في بعض البلدان، بينما تعاني بلدان أخرى في مواجهة تزايد الدين العام.
فمن المتوقع حدوث بعض الانخفاض في النمو لدى البلدان المصدرة للنفط عام 2019، ليصل إلى 0.4 في المائة بعد أن بلغ 0.6 في المائة في السنة السابقة، مدفوعا بانكماش الاقتصاد الإيراني عقب تجديد العقوبات. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يبلغ النمو في دول مجلس التعاون الخليجي 2.1 في المائة في 2019، فيما يمثل تحسنا طفيفا فحسب عن معدل النمو الذي بلغ 2 في المائة العام السابق. وتسهم تخفيضات إنتاج النفط والضبط المالي الجاري في بلدان مثل البحرين وعمان والإمارات في هذه الآفاق الأكثر ضعفا بالنسبة للنمو.
أما البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان، فيتوقع أن يكون النمو فيها بطيئا، حيث ينخفض من 4.2 في المائة في 2018 إلى 3.6 في المائة كما هو متوقع هذا العام. غير أن هذا الرقم يتوقع أن يتعافى مسجلا 4.2 في المائة اعتبارا من 2020 - 2023. ويعكس الاتجاه الهبوطي في عام 2019 حالة التباطؤ في الاقتصاد العالمي، وإن كانت تتفاوت بين بلدان المنطقة؛ فمصر، على سبيل المثال، تواصل نموها القوي، بينما يتوقع للاقتصاد الباكستاني أن يشهد تباطؤا حادا، ما يضع عبئا معوقا على النمو الكلي في المنطقة. وتتنامى بواعث القلق بشأن المالية العامة على مستوى بلدان المنطقة، حيث يشكل ارتفاع الدين العام عائقا متزايدا أمام البلدان في سعيها لتلبية احتياجاتها الهيكلية الملحة. وإضافة إلى ذلك، تمثل التوترات الاجتماعية مصدر قلق متناميا، ما يؤكد صعوبة المفاضلة التي تواجه صناع السياسات بين ضمان الاستقرار الاقتصادي الكلي، ومعالجة تحديات النمو على المدى المتوسط.
وتلقي الأوضاع الاقتصادية والتوترات الجغرافية - السياسية الصعبة على مستوى العالم ظلالا قاتمة على الآفاق المتوقعة لبلدان المنطقة ككل. وتمثل الأوضاع المالية العالمية المشوبة بعدم اليقين مصدر قلق أيضا، ولا سيما للبلدان المستوردة للنفط التي سيحل قريبا أجل استحقاق إصداراتها الكبيرة من سندات الدين المقومة بالعملة الأجنبية.
ومع وصول تقلبات أسعار النفط أخيرا إلى مستويات لم تشهدها منذ صدمات عامي 2014 و2015، يمكن أن يكون استئناف جهود الضبط المالي عاملا مساعدا للبلدان المصدرة للنفط في سعيها للوصول بالتدريج إلى مستويات إنفاق أكثر استدامة تساعدها على حماية اقتصاداتها من الأثر السلبي لتقلبات أسعار النفط. وفي البلدان المستوردة للنفط، يلزم الاستمرار في إجراءات الضبط المالي لإعادة بناء هوامش الأمان وتعزيز الصلابة في مواجهة الصدمات. غير أنه ينبغي اتخاذ إجراءات تضمن ملاءمة التعديلات المطلوبة لمقتضيات النمو، بما في ذلك إتاحة قدر كاف من الإنفاق العام لأغراض الرعاية الصحية والتعليم وشبكات الأمان الاجتماعي، ما يمكن أن يساعد على تخفيف التوترات الاجتماعية. وسيساعد التوسع في الإصلاحات الهيكلية لدعم نشاط القطاع الخاص وتحفيز إيجاد فرص العمل على تنويع الاقتصادات في كل بلدان المنطقة، والوصول بها إلى تحقيق نمو أعلى وأكثر احتواء لكل شرائح المجتمع على المدى المتوسط. وفي هذا الصدد، تعد السياسات الرامية إلى تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة سياسات ضرورية، بما في ذلك السياسات التي تعمل على زيادة فرص الحصول على التمويل. وتضع آفاق الاقتصاد العالمي غير المستقرة والأوضاع الاقتصادية الكلية المحفوفة بالتحديات مسؤولية أكبر على عاتق بلدان المنطقة فيما يتعلق بإيجاد بيئة أكثر تمكينا لاستثمارات القطاع الخاص من خلال الحد من الفساد وتقوية المؤسسات. ويظل الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا في صدارة الأولويات أيضا. فمن خلالهما معا، يمكن أن تقطع هذه الجهود شوطا طويلا نحو إقامة قطاعات خاصة ديناميكية تستطيع إيجاد الوظائف لملايين الشباب الذين ينضمون إلى القوى العاملة.