كيف تفكر الحكومة الاقتصادية؟
مقال اليوم سأستعرض التجربة الصينية كحكومة اقتصادية إن صح التعبير، وكيف نجحت في بناء اقتصاد ناجح من خلال معاكسة "النيوليبرالية الاقتصادية" التي تعني تقليل دور الدولة في الاقتصاد.
منذ 1979 إلى 2016 كان متوسط الناتج المحلي الحقيقي 6 في المائة ويعزى سبب النمو الاقتصادي الصيني السريع إلى استثمار رأس المال عن طريق المدخرات الوطنية الكبرى والاستثمار الاجنبي.
السؤال الذي يحتاج إلى إجابة: من أين تولدت تلك المدخرات الوطنية وكيف نجح الاقتصاد الصيني؟ حافظت الحكومة الصينية على نسبة عالية من المدخرات الوطنية منذ عام 1979، كانت تدخر 23 في المائة من الناتج المحلي ومعظم مدخراتها تأتي من أرباح الشركات المملوكة للحكومة.
استخدمت الحكومة المركزية تلك الأموال في تمويل الإصلاحات الاقتصادية والاستثمار المحلي، ونتائج تلك السياسة كانت مذهلة، حيث ارتفعت مدخرات الأسر الصينية والشركات، ما جعل الصين تحقق أعلى نسبة ادخار من الناتج المحلي مقارنة بالاقتصادات الرئيسة.
عند بداية برامج الإصلاح الاقتصادي لم تعتنق الصين النظريات الغربية في إدارة اقتصادها؛ لأن لديها فجوة في مهارات وقدرات الشعب الصيني، وإنما حرصت على توظيف الأموال في الإنتاج والاحتفاظ بجزء من الأرباح ثم إعادة الاستثمار عن طريق الشركات الحكومية وعلى الرغم من انخفاض أرباح شركاتها الحكومية إذا ما تمت مقارنتها بالشركات الخاصة -لم تتخل الحكومة عن هذه الاستراتيجية.
أدت الإصلاحات الاقتصادية الماضية، إضافة إلى حوافز الاستثمار ما بعد 1990 إلى حدوث طفرة في الاستثمار الأجنبي المباشر، فقد قفز الناتج المحلي الحقيقي في عام 1990 من 3.9 في المائة إلى 9.3 في المائة عام 1991 ونتج عن تلك السياسات زخم كبير، حيث وصل الناتج المحلي إلى 14 في المائة عام 1992، أما في عام 2010 وصل عدد الشركات الأجنبية المسجلة 445 ألفا، ومعظم تلك الشركات استثمارها في الإنتاج الصناعي والتجارة وظفت 15 في المائة من القوى العاملة الصينية، ورغم ذلك لم تتخل الحكومة عن استثماراتها.
تراكم الاحتياطيات الضخمة في الاقتصاد الصيني أدى إلى تغير في بعض السياسات ولا سيما في السنوات العشر الماضية، حيث أطلقت الحكومة الصينية استراتيجية التحول للعالميةgo global strategy عن طريق تشجيع الشركات الحكومية للاستثمار في الخارج عن طريق الابتكار والوصول إلى التكنولوجيا الحديثة، ثم إن الحكومة الصينية ساعدت الشركات الأقل قدرة على المنافسة داخليا والانتقال إلى بلدان منخفضة التكلفة.
أما في عام 2007 فقد أسست الحكومة الصينية (CIC) China Investment Corporation بهدف البحث عن استثمارات أكثر ربحية بعيدا عن أمريكا، بمبلغ 200 مليار دولار ووصلت في عام 2015 إلى أكثر من 800 مليار دولار.
أثبتت الصين أن الحكومة الاقتصادية نموذج ناجح؛ بدليل أنها احتلت المركز الأول على مقياس الناتج المحلي القائم على تكافؤ القوة الشرائية GDP-PPP بقيمة 25 تريليون دولار لعام 2018.