«يوم عالمي للمرأة» .. تكريم أم إمعان في التنميط؟
يمر هذا العام قرن وعقد من الزمن؛ 110 سنوات بالتحديد، على أول مرة تم فيها الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، الذي تحتفل به نساء المعمورة يوم 8 مارس (آذار) من كل عام. تعود بدايات الفكرة إلى أوائل القرن الـ20، مع التوسعات الكبرى التي عرفها العالم الصناعي جراء النمو السكاني والازدهار الاقتصادي و"الوفرة" الأيديولوجية.
عادة ما يتم في هذه المناسبة العالمية استعراض ما حققته المرأة من نجاحات على مختلف الأصعدة، بنضالها المستمر من أجل تقليص الهوة بينها وبين الرجل في كثير من الأمور. معركة يتوقع لها أن تتواصل؛ رغم التطور الكبير في الحضارة الإنسانية، حتى عام 2186، بحسب ما تنبأ به مختصون في المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس".
الاستغراق في شكليات وطقوس يوم الاحتفال غالبا ما يلهي النساء عن إثارة السؤال حول تاريخ هذه الفكرة، ودواعي تخصيص يوم عالمي للمرأة. فالظاهر أن تاء التأنيث غالبا ما تكون في هذه المناسبة أسيرة السردية التقليدية عن المنجزات والمطالب، دون أي بحث في الأصول والسياقات التي أدت إلى بلوغ هذه المسألة حد تخليدها في ذكرى سنوية.
تاريخيا، من الصعب تحديد البداية الحقيقية لليوم العالمي للمرأة، فبعض الروايات ترجح أن تكون بداية القصة في الربع الأول من القرن الـ19، مع نساء عاديات من الطبقات الفقيرة، بلا سلطة ولا انتماء سياسي. فدافعهن الأساسي كان وطأة الجوع والإحساس بالظلم، فخرجن لأول مرة في التاريخ للمطالبة بأبسط حقوقهن، وإيقاف القوانين المجحفة بحقهن.
من كان يعتقد أن مسيرة عام 1820 التي عمت شوارع مدينة نيو إنكلاند في ولاية ماساتشوستس الأمريكية، للمطالبة بتقليص ساعات العمل التي عادة ما تتجاوز 12 ساعة يوميا في المصانع، ستطلق الشرارة الأولى لمسيرة تحرر المرأة عبر التاريخ، بعدما تكرار الاحتجاجات عام 1834 وإضراب عاملات مصانع القطن في الولايات المتحدة، للمطالبة بمساواتهن مع الرجال في ساعات العمل.
تربط رواية أخرى جذور اليوم العالمي للمرأة بحق له طابع سياسي، يعود إلى عام 1908 عندما شاركت 15000 امرأة، في مسيرة في مدينة نيويورك حاملات قطعا من الخبز اليابس وباقات من الورد في خطوة رمزية تحت شعار "خبز وورد"، للمطالبة بحقهن في التصويت الانتخابي، وفي الحصول على أجور أفضل وساعات عمل أقل، بعدها بعام واحد قام الحزب الاشتراكي الأمريكي بالاحتفال باليوم القومي للمرأة في الولايات المتحدة في 28 فبراير (شباط) 1909.
سنة بعد ذلك، طرحت كلارا زتكن السياسية اليسارية من الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني، فكرة الاحتفال بيوم المرأة العالمي، واقترحت أن تقوم كل دولة باختيار يوم محدد من كل عام للاحتفال بيوم المرأة على أن يخصص لطرح مطالب ومشكلات النساء في كل دولة.
كان لهذا المقترح صداه في مؤتمر الاجتماع الاشتراكي الدولي في كوبنهاكن، شاركت فيه أكثر من 100 امرأة من 17 دولة، حيث تمت الموافقة فيما عرف باسم "مبادرة كوبنهاكن" على اعتبار يوم المرأة يوما ذا طابع دولي، ومع ذلك لم يعين يوم محدد لهذه المناسبة.
واحتفل به لأول مرة في دول مثل النمسا والدنمارك وألمانيا وسويسرا في 19 آذار (مارس) عام 1911. سنتان بعدها سيتم تغيير تاريخ الاحتفال، ليصبح 8 مارس (آذار) من كل عام، وقد أصبح الاحتفال به بشكل غير رسمي في ذلك اليوم من كل عام، حتى اعترفت به الأمم المتحدة عام 1975، ليتحول هذا التاريخ إلى رمز لنضال المرأة وحقوقها يحتفل به سنويا. ما حدا بعديد من البلدان إلى اعتباره عطلة رسمية: (أفغانستان، كمبوديا، فيتنام، وزامبيا...)، فيما هو كذلك بالنسبة للنساء فقط في الصين ومدغشقر والنيبال.
طرحت الأمم المتحدة عام 1995 وثيقة "إعلان ومنهاج عمل بكين"، التي قدمت تصورا للعالم تحظى فيه المرأة بحقها في ممارسة اختياراتها، مثل المشاركة السياسية والحصول على التعليم والحصول على أجر والعيش في مجتمع خال من العنف والتمييز. وقد عقدت 189 دولة الموقعة على خريطة الطريقة هذه، العزم على التقدم في تحقيق أهداف المساواة والتنمية والسلم لجميع النساء.
الدينامية التي تعرفها الحركة النسائية العالمية دفع بها قدما لتطوير تصورها بشأن قضايا المرأة في العالم، وهذا ما نكتشفه عند قراءة الألوان التي رافقت هذه الحركة في بداياتها. فتاريخيا، نشأت تركيبة اللون الأرجواني والأخضر والأبيض لترمز إلى مساواة المرأة في المملكة المتحدة في عام 1908. في معرض تفسير الألوان، نجد الأرجواني يرمز للعدالة والكرامة. فيما يدل الأخضر على الأمل. أما الأبيض فيرمز إلى الطهارة. لكن سرعان ما تم التخلي عنه، لأن "النقاء" مفهوم مثير للجدل.
سرعان ما ظهر اللون الأصفر ضمن ألوان الحركة ليمثل فجرا يحيل، للدلالة إلى موجة ثانية من النسوية على الصعيد العالمي. وهكذا، فإن اجتماع اللون الأرجواني مع اللون الأخضر دليل على الحركة النسوية التقليدية، فيما يحيل اللون الأرجواني مع اللون الأصفر إلى الحركة النسوية المعاصرة التقدمية.
بعيدا عن الصراعات داخل الحركة النسائية بشأن هذه المناسبة، اختار طرف ثالث التموقف من الطرفين معا، ومعهما الموضوع المحتفى به. إذ نجد تيارا لا بأس من النساء لا يقبل بفكرة "اليوم العالمي للمرأة" من أساسها، لما تحتوي عليه من أفكار تعزز من الصورة النمطية عن قلة حيلة المرأة أو وضعها في إطار الضحية.
تيار له جانب كبير من الصواب فيما ذهب إليه، فعبر التاريخ استطاعت المرأة أن تكون صرحا ومنارة تذكر وتنير للنساء طريقا يهتدين به. فكانت الشاعرة والأديبة والملكة والحاكمة وكانت أيضا المحاربة والحكيمة، وقد ذكرت لنا كتب التاريخ في مختلف الحضارات والشعوب نساء لا تزال شهرتهن تذكر إلى يومنا هذا. ولا بأس من تذكير من راوده شك بهذا القول، إن ابن عساكر كبير محدثي الشام، ألف في القرن الـ11 كتاب "معجم النسوان" تكريما للنسوة اللواتي أخذ عنهن الحديث؛ وهن أكثر من 80 امرأة حسب الذهبي.