العلا .. "رؤية" تكتب تاريخا جديدا للمنطقة والعالم
كانت عاصمة التاريخ القديم وأرض الحضارات، العلا، على موعد مع قصة تحول فريدة من نوعها، إذ ستصبح وجهة تراثية عالمية، بعدما اختبأت سنوات طوال، قبل أن تسرق قلوب الجميع.
كانت العلا مركزا لحضارات غابرة، وممرا لقوافل تجارية، واليوم عادت إلى العالم، عبر "رؤية العلا"، التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مستثمرا مكانة المحافظة التاريخية والإنسانية والتراثية والثقافية، ووجود آثار مدائن صالح، أول موقع سعودي تم إدراجه على لائحة "اليونيسكو" للتراث العالمي، وآثار من فترة ما قبل الإسلام، مثل الحضارتين اللحيانية والنبطية، والنقوش والرسوم على صخورها.
البداية بـ "شتاء طنطورة"
أصبحت العلا قصة مشوقة يتجاذبها السياح وعشاق التاريخ من أنحاء العالم كافة، وذلك إثر مهرجان "شتاء طنطورة"، الذي انطلق في 20 ديسمبر الماضي، وتم تمديد فعالياته ليستمر حتى 23 فبراير الجاري، متضمنا فعاليات ثقافية وفنية وترفيهية، واحتفالات تراثية أسبوعية، وسباقا للخيول، وأمسيات أحياها نجوم عرب وعالميون.
إلى الشمال من المدينة المنورة، وعلى بعد 300 كيلو متر، قدمت الهيئة الملكية لمحافظة العلا آثار المنطقة كمتحف مفتوح يتجول السائح بين جنباته، وأطلقت الطاقات الكامنة للمدينة الأثرية، وأعادت بريق ملامح البلدة القديمة وسوقها العتيقة بحرفها اليدوية المتوارثة منذ قديم الزمان، بكل ما تحمله من مأكولات وتفاصيل متنوعة.
شرعان .. محمية ومنتجع
لكل صخرة قصة تروى، ففي "رؤية العلا" مشاريع سياحية ضخمة، ومراكز لاستقبال الزوار في الحجر وجبل عكمة ودادان، كما تتضمن منتجع شرعان، وهو منتجع منحوت في الجبال، يضم عددا من الأجنحة الفندقية، وموقعا يضم مساحات مبتكرة ومجهزة بأحدث الوسائل والخدمات التقنية، لعقد لقاءات قمم قياديي الأعمال والرؤساء التنفيذيين والفنانين وغيرهم، صمم بشكل مبتكر بالتعاون مع المعماري الفرنسي الشهير جون نوفيل، وينبثق منتجع شرعان من جبال العلا الشامخة، وسيحمل إرث الحضارة النبطية في ضيافة الطبيعة الخلابة.
كما تضمنت "الرؤية" إطلاق محمية شرعان الطبيعية، لتسهم في حماية المناطق ذات القيمة البيئية الاستثنائية، وستعمل على استعادة التوازن الطبيعي في المنطقة بين الكائنات الحية والبيئة الصحراوية.
حول هذه "الرؤية"، يقول الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، محافظ الهيئة الملكية لمحافظة العلا ووزير الثقافة "تقدم العلا للمستكشفين من جميع أنحاء العالم وجهة فريدة، من خلال ماضيها الذي يمثل تاريخا حقيقيا للتبادل الثقافي والتجاري بين الحضارات المختلفة. وبدورنا، فإننا ندعو علماء الآثار والمفكرين من جميع أنحاء العالم لمشاركتنا في استكشاف تاريخ الإنسانية في العلا، خاصة مع الدعم والاهتمام الذي تحظى به منطقة العلا من الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، لتحويلها إلى وجهة عالمية للتراث، وهو ما يمثل أحد أهداف "رؤية المملكة 2030".
الأثر الاقتصادي لآثار العلا
تقدم "رؤية العلا" فرصة لتحقيق أثر اقتصادي ملموس، مبني على الثقافة والحضارة والتراث، إذ تستهدف إضافة 120 مليار ريال إلى الناتج المحلي للمملكة بحلول 2035، وتنمية المجتمع المحلي بما يتوافق مع "رؤية 2030"، إذ تحقق 28 هدفا من أهداف "الرؤية".
كما تتضمن "الرؤية الجديدة" برنامجا للابتعاث لأبناء المحافظة في أمريكا وبريطانيا وفرنسا دعما للمشاريع التي ستشهدها العلا في المستقبل، فضلا عن توليد فرص وظيفية لـ 2500 من أهالي العلا، ليكونوا حماة للتراث الطبيعي والإنساني.
ولا تتوقف الثمار الاقتصادية لـ "رؤية العلا" عند هذا الحد فحسب؛ بل تتجاوزها إلى توفير 38 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة بحلول عام 2035، واستقطاب مليوني زائر سنويا، ما يمثل دعما غير مسبوق للسياحة السعودية، واقتسام نصيب من "كعكة" السياحة في المنطقة.
وكانت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني عملت على مدى السنوات الماضية على إعداد خطة للتنمية السياحية في محافظة العلا، تتكامل بشكل وثيق مع الاستراتيجية الوطنية للتنمية السياحية، واستراتيجية قطاع الآثار والمتاحف وخطتها التنفيذية، وخطة إدارة موقع مدائن صالح التي تنسجم مع "رؤية المملكة 2030"، ما يعني أنها ستتكامل هذه الجهود مع وجود الهيئة الملكية لمحافظة العلا.
دهشة عالمية
المنطقة الأثرية في العلا، التي طالما أحبها الأمير محمد بن سلمان، وزارها أكثر من مرة، شكلت دهشة للإعلام العالمي، فبحسب ما ترجمته "الاقتصادية" عن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، التي خصصت تقريرا عن الترفيه في العلا وآثارها، فإن العلا ستشكل رافدا للسياحة في المملكة.
وقالت "إن مدائن نبي الله صالح عليه السلام أو "الحجر" هي مجموعة من المقابر الشاهقة المنحوتة في جوانب التلال وتأخذ لون الذهب المصقول وقت الغروب، وهي امتداد لمملكة النبطيين الذين أقاموا مدينة البتراء الشهيرة في الأردن، ويرجع تاريخ المقابر إلى ملايين السنين.
وبالقرب من "مدائن صالح" توجد محطة سكة حديد الحجاز القديمة، وهو خط يعود إلى الحقبة العثمانية، بناه مهندسون ألمان وأتراك، وفي عام 1908 كان يسير 800 ميل من دمشق في الشمال إلى المدينة المنورة".
ونقلت الصحيفة عن المرشد السياحي محمد العنزي أن "هذه المنطقة هيمنت عليها في السابق أربع حضارات مختلفة"، لافتا إلى أن البعض هاجر إلى هذه المنطقة من اليونان، كما نقلت عن ماهر مازن مدير أحد منتجعات المحافظة، قوله "نحن نطلق على هذا المكان "المستقبل".. لو عدت خلال عام واحد فسيكون الأمر مختلفا".
كنوز تراثية لنماء الإنسان
في حفل التدشين، قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في تصريح صحافي "إن ما تم في "رؤية العلا" من مشاريع لا شيء، قياسا بالإنجازات المرتقبة، فما زلنا في البداية".
ولا شك أن ما حدث اليوم أكثر من مجرد حفل تدشين وإطلاق، بل "رؤية" تكتب التاريخ، وتؤسس لوجهة سياحية مستقبلية تستقبل الضيوف من أنحاء العالم كافة، والمكان الحلم الذي يحقق النماء للبيئة والإنسان.