الميزانية .. وجهة نظر أخرى
سبق أن كتبت عن الميزانية قبل صدورها بنحو أسبوعين؛ لاهتمامي بالقوى والمحركات الاقتصادية على حساب الأرقام من ناحية، واعتقادي أن التغيرات في الأرقام قد تكون محدودة، ولكن الميزانية في الأخير "أرقام" تحمل مدلولات ورسائل اقتصادية. من هذا المنظور، اطلعت على تقريرين وصلاني من شركتين ذواتي بيوت خبرة إدارية وكلاهما يقدم عرضا وتحليلا ورؤى حول الميزانية، هناك اختلاف في الإخراج أكثر من المحتوى، وإن قدمت KPMG تفاصيل أكثر اقتصادية. يغلب على هذه النوعين من التقارير حالة وصفية، وتفادي طرح سيناريوهات مستقلة أو توصيات محددة لعدة أسباب. أستخلص أهم ما لفت نظري من التقريرين في التالي:
- ركزت الميزانية على المدى المتوسط، سواء من الجانبين المالي أو الاقتصادي، كإدارة العجز، والاستمرار في تنويع مصادر الدخل، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، والتوازن المالي، وتعديل رسوم العمالة، وتعديل الدعم على أسعار الطاقة، وكذلك جاءت الأهداف الاقتصادية متوسطة المدى، مثل برنامج التخصيص، والشراكات الاستراتيجية، وتطوير بعض الصناعات الاستراتيجية، وتحسين البنية التحتية.
- رغم ارتفاع الميزانية، إلا أنه كانت هناك تغيرات في المصروفات، فمثلا كان هناك تقليص في مصروفات الدفاع، والتقليص الآخر كان في التعليم وتعديلات أخرى أقل حجما، ولكن كان مقابل ذلك ارتفاع في البنود العامة، والصحة، والموارد الاقتصادية، والبنية التحتية، والنقل.
- هناك عدة برامج ومبادرات تندرج تحت تعزيز "الرؤية"، بالطبع هذه البرامج لا تخضع في الغالب لتصنيف مالي بحت ولا حتى اقتصادي، ولكن تحقيقها يصب في جوانب اقتصادية ومالية، كبرامج ريادة الأعمال، أو تنمية القطاع المالي، أو الخدمات اللوجستية، وأخرى في تمويل الشركات الصغيرة، ومكافحة الغش التجاري، والتستر، والتجارة الإلكترونية.
- سيبقى العجز المتوقع لعام 2019 قريبا من عجز 2108، ما يراكم الدين العام. يذكر سقف 30 في المائة كنسبة الدين إلى الدخل القومي الإجمالي GDP، ولكن ليس جزءا من النظام، بلغ الدين 19 في المائة من GDP لعام 2018، وحسب الميزانية يصل إلى 22 في المائة لعام 2019, إلى أن يصل إلى 25 في المائة في 2021، ويبدأ بعدها في الانخفاض تدريجيا، ولكن الدين العام ما زال منخفضا مقارنة بدول مجموعة العشرين، وأقل من أي تكتل اقتصادي آخر. الحذر دائم من الاتجاه أكثر من الحجم من ناحية ومن توظيف الأموال المقترضة.
- ذكر تقرير KPMG تفصيلا جيدا عن مكونات الإيرادات النفطية وغير النفطية، فمثلا ذكر أن الإيرادات من تعديل أسعار الطاقة بلغت 19 و20 مليارا لعامي 2016 و2017 على التوالي، ولكن التغير الأهم في حجم الإيرادات غير النفطية ومكوناتها، فهذه تقريبا تضاعفت من 168 مليارا في 2015 إلى 313 مليارا في 2019، "أهم مكون الضرائب على السلع والخدمات عند 132 مليارا و131 على الدخل والأرباح الرسمالية".
هناك توجه صحي للاستثمارات الرأسمالية، ولكن الاستهلاك ما زال هو الغالب. الميزانيات في الأخير برامج مالية مستمرة، ولكن الأهم التركيز على دورها في إيجاد القيمة المضافة مجتمعيا، والتوظيف المجزئ مهنيا وماليا، والتوازن المالي لدرء المخاطر، والمحافظة، وتنمية جميع المكتسبات في البنية التحتية، والتشبيك المعرفي والعلمي في المجتمع.