«السبوع» .. تراث عالمي يتجاذبه التطير والفأل الحسن
لا تخلو طقوس الولادة والحمل في ثقافات العالم من تراث ثري، عصي على الاندثار، ومليء بالحكايات والغرائب والطرائف والمواقف الإنسانية، لكنها بكل حال من الأحوال تتشابه إلى حد ما في بعض التفاصيل، خصوصا عند تسمية المولود؛ إذ يطلق عليه في ثقافات كثيرة اسم عزيز متوفى، مثل أن يكون الجد أو الجدة أو أخ أو أخت الوالد والوالدة.
من غرائب طقوس الحمل
في بحث لـ "الاقتصادية" حول غرائب طقوس الولادة لشعوب العالم، نجد كثيرا من الطقوس التي تستحق الذكر، مثل طقوس البرازيليين في معاملة زوجاتهن، إذ يعاملن أثناء فترة الحمل معاملة الأميرات، تقدم لهن الهدايا مثل العطور والحلوى، وإذا ما اضطرت إلى الوقوف في طابور ما، فإنها تمنح الأولوية للوقوف في مقدمته.
وفي المكسيك، توصف الحامل بـ "المرأة السمينة"، لكنها رغم هذا الوصف تحصل على امتيازات وظيفية، مثل الإجازة مدفوعة الأجر لمدة 6 أسابيع قبل الولادة و 6 أخرى بعدها، كما يتجنبن حضور الجنازات وزيارة المدافن بعد الولادة؛ وهو من "التطير"؛ إذ يعتقدن أنها "فأل" سيئ.
وفي بوليفيا، تلد المرأة عادة في منزل ريفي، وتقوم بتوليدها إحدى قريباتها، ويقطع الحبل السري للمولود بقطعة من الفخار المكسور، وليس بنصل حاد وإلا كبر ليصبح ثرثارا كما توحي تقاليدهم.
ما بعد الولادة .. دلال ومحبة
طقوس ما بعد الولادة حافلة بالأحداث والاحتفالات التراثية، فالكوريون مثلا، لهم طقوس خاصة، إذ تتجه الأم بعد الولادة إلى منزل جدها وجدتها لأمها، وتقيم فيه شهرا، ويتوجه إليهم الأصدقاء وبقية العائلة للاحتفال بالمولود، ويأكلون وجبة تتكون من الأرز والفاصوليا الحمراء.
الأم الهولندية بدورها؛ تلد عادة في منزلها، بالاستعانة بممرضة تقضي أسبوعا معها، تقدم لها الرعاية الطبية الكاملة، وتنظف المكان بعد أن تطهو لها، وتساعدها على الاعتناء بالمولود، كما ترشدها على الطرق الصحيحة للرضاعة، وتستقبل الممرضة الضيوف بوجبة من البسكويت، كأحد طقوس الاحتفال بالمولود.
وفي جواتيمالا طقوس وتراث يعودان إلى عشرات السنين، ومن ملامحها ألا يسمح للأم حديثة الولادة بمغادرة منزلها قبل مضي 40 يوما، تتناول خلالها حساء الدجاج فقط، إذ يعتقد أنه مصدر غذائي مهم للأم، يوفر لها الحليب الكافي لإرضاع المولود.
وبحسب أعراف نيجيريا العريقة؛ تحظى الجدة بتحميم الطفل الأول بعد ولادته، وتقوم به إحدى الجدتين، أو كلتاهما، ترحيبا بالطفل، ويتم هذا التقليد التراثي وسط أجواء احتفالية كبيرة تعم المكان.
100 يوم من الاحتفالات
ولإندونيسيا قصة مع هذه الطقوس التراثية المليئة بالفرحة، وهناك يعتقدون أن أرواح الأطفال الموليد صافية وبريئة لدرجة إمكانية تعرضها لخطر من الأرواح الشريرة، فيحظرون ملامسة قدمي المولود للأرض خلال الأشهر الثلاثة الأولى من ولادته، وحين يبلغ الطفل من العمر 90 يوما، تقيم العائلة احتفالا ضخما، تقدم فيها طفلها للمجتمع.
وبالحديث عن الاحتفالات، يحتفل الصينيون بمولودهم حينما يكمل شهره الأول، فيقام احتفال يسمى "البدر" بمناسبة مرور شهر كامل من حياة الطفل، وفي صباح يوم الاحتفال، يجتمع الأقارب والأصدقاء لتقديم الهدايا، كما يعد والدا الطفل الهدايا للضيوف، ورغم اختلاف الهدايا وتنوعها، إلا أن البيض المصبوغ باللون الأحمر هو أكثر الهدايا شعبية، لرمزيته، إذ يرمز في ثقافة الصين إلى عملية التغيير في الحياة، فيرمز شكل البيضة الدائري إلى الحياة المتناسقة السعيدة، كما يرمز اللون الأحمر إلى السعادة، ويتخلل الاحتفال إهداء الأجداد الذهب لحفيدهم، أو قطعا فضية لإظهار حبهم العميق، وفي أماكن أخرى من الصين، يقيم الأهل نحو 5 احتفالات خلال الـ 100 يوم الأولى من حياة الطفل.
السُّبوع
في كتابها "40 يوما بالبيجامة"، للمؤلفة بدور الحامد، والذي تناولت فيه الطقوس والمعتقدات المتعلقة بالحمل والولادة، تصف فيه بدقة أشهر احتفالات العرب التراثية بقدوم الطفل، وهي "السُّبوع"، الاحتفال الذي يقيمه المصريون عادة للمولود بعد 7 أيام من مولده، ويوضع الطفل المولود داخل غربال (صينية قعرها شبكة)، ويوضع على طاولة عالية وبجواره إبريق لو كان المولود ذكرا، أو قُلة (جرة) إن كان المولود أنثى، ثم يحمل الغربال وفيه الطفل ويوضع على الأرض ويبدأ ما يسمى بـ "دق الهاون"، وتقوم به غالبا جدة المولود أو إحدى السيدات الكبيرات في السن، وتردد وهي تدق هذا الهاون عبارات فيها وصايا للمولود، كأن يكون مطيعا لوالديه، ثم تمر الأم من فوق الطفل 7 مرات تردد خلالها الجدة التي تدق الهاون عبارات البسملة والصلاة على النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم. وبعد ذلك يوضع الغربال مع الطفل مرة أخرى فوق الطاولة، ويحمل الأطفال والكبار شموعا بيضاء مشتعلة ويطوفون حول الطاولة مرددين الأناشيد المشهورة للأسبوع، ثم يتم توزيع الحلوى على الأطفال وسط احتفال يضم الأهل والأصدقاء.
تراث عربي
الحديث عن تراث المواليد لا يُمل ولا ينتهي، وبحسب كتاب الحامد، فإن الجزائريين ينظمون حفل "الوعادة" بعد 7 أيام من الولادة، ويوم الخميس تحديدا تذبح فيه الذبائح أو العقيقة، ويقدم فيه كثير من الأطباق التقليدية والحلويات، وبعد الانتهاء من الوليمة يقام طقس تحميم الطفل فيملأ الحوض بأعشاب الرند والسفرجل والريحان، ويتم تحميم المولود وسط الأناشيد والمدائح الدينية، وبهذا يكون حمامه الأول، وبهذه المناسبة يستدعى الأطفال أيضا الذين يمسكون الشموع، ويقدم لهم بيض مسلوق ومرق الدجاج.
وفي المغرب، ما إن تبلغ الحامل الشهر التاسع حتى يبدأ التحضير لـ "السفوف"، وهو طبق يحتوي على اللوز والدقيق ويقدم كنوع من الحلوى، وبعد الولادة يقدم للأم شراب ساخن مكون من الحليب والبيض وحب الرشاد لمدة 40 يوما، مع وجبة من الدجاج أو الحمام المشوي أو أي طبق يحوي دجاجا، مثل بعض الأكلات الشعبية التقليدية الرفيسة والحميس. وبعد 3 أيام من الولادة تذهب الأم مع قريباتها إلى حمام النساء للاغتسال بالأعشاب بعد أن تخضب يديها ورجليها بالحناء، وتقدم هدية البياض لصاحبة الحمام، وهي عبارة عن قالب من سكر. أما في اليوم السابع؛ فتقام حفلة العقيقة، وتقدم للأم الهدايا وبعض النقود وتسمى "الزرورة".