التخفيف على الناس
تحدث الخطيب عن قضايا مهمة في حديثه الأسبوعي، لكنه أغفل نقطة مهمة، وهي أن الجامع الذي يلقي فيه موعظته يضم أقواما من مختلف البيئات والثقافات، بل إن منهم من يحتاج إلى جرعات مقننة من التلخيص والتبسيط للفتاوى، بعيدا عن التشبث بفتوى شيخ معين أو طريقة بذاتها.
نعيش اليوم في عالم يجمع كل أنواع البشر في مواقع مادية وسايبرية، وتتقارب فيه المسافات لتصبح سنتيمترات بدل آلاف الكيلومترات. هنا تتداخل الأمم والمفاهيم والقيم، ونحتاج إلى ضمان التقارب والتبسط مع كل من يخالفنا، في محاولتنا المستمرة لحفظ جاذبية الدين لمن هم في حالات كثيرة متسمين به، وقد لا يمارسون شعائره، فكيف بمن لا يؤمنون به أصلا. إن التوجه الذي يتخذه العالم أو طالب العلم في التقليل من جهود علماء سبقوه، واجتمع عليهم الناس، بل احترمه وأثنى عليه عالمه الذي ينتمي إلى مذهبه أمر مخيف، وخلل يحتاج إلى البحث والتحقق والتعديل، بما يضمن أن نكون رسلا للاعتدال والتقبل، الذي لا يخل بأصول الدين وأساساته التي نعرفها جميعا.
لا أحبذ التطرق إلى السن في أي من الحوارات المفتوحة في المجال، لكن مجتمعاتنا الإسلامية التي حرمت كثيرا من أبنائها من فرص الحوار والتفاعل مع المخالفين، ولدت أجيالا يصعب عليها قبول الاختلاف، ولها نظرات أحادية في كثير من القضايا، ولهذا نجد أنفسنا اليوم نحاول أن نستعيد العلاقة بين المسلمين أنفسهم من التدهور الذي أنشأته الخلافات المبنية على رأي فلان أو علان، وهذا ما يجعل الشبيبة بعيدين عن الممارسات التي نحتاج إليها من الوسطية والاعتدال، وهو ما يجعلهم فرائس للفتاوى التي قد تكون تحريضية ومتطرفة في حالات كثيرة.
التطبيق على ما نشاهده اليوم من الضياع في شبابنا يوجِد الدافع المهم لدى كثير من العلماء الربانيين باتجاه توفير الجو الصحي الذي يتعايش فيه الجميع. هذه المسؤولية ليست أحادية ولكنها عامة، ولا بد أن نكون اليوم أكثر قدرة على التقبل والتفاهم؛ لنستطيع أن نعود إلى موقعنا الطبيعي في عالم أساس تعامله وتفاعله بل حياته كلها - مبني على استفادة الجميع من الجميع، وتعامل الجميع مع الجميع بشكل شخصي. أزعم أننا لو حققنا بعض هذا، فسنستعيد كثيرا مما فقدناه بسبب التطرف الذي أوجد مشاكل كبرى من أهم علاماتها الإرهاب.