كيف نزيد من التنوع الاقتصادي؟
تأملت كثيرا في أسباب عدم قدرتنا على تعديل الهيكل الاقتصادي بسهولة من النموذج الحالي المعتمد على الحكومة، إلى نموذج يعتمد على القطاع الخاص، وظهر لي أن هيكل القطاع المصرفي الحالي كان سببا رئيسا في عدم تنوع اقتصادنا عبر العقود الأربعة الماضية، وما زال الهيكل الحالي عائقا في تطبيق بعض السياسات الاقتصادية الخاصة بالتنوع الاقتصادي في "الرؤية"، عن طريق تمويل القطاع الخاص في المجالات الإنتاجية والاستثمارية، سواء الجديدة أو القائمة. أرى أن الهيكل الحالي للمصارف يعتمد على تمويل مجالات محدودة في الاقتصاد - لا تتجاوز التمويل الاستهلاكي للأفراد والعقاري وفاتورة الواردات الاستهلاكية وعقود الحكومة المرتبطة بمستخلصات وزارة المالية، أما تمويل القطاعات المنتجة فما زال أقل من المأمول على الصعيد الوطني.
يُعزى إخفاق كثير من سياسات الدول الاقتصادية ومشاريع القطاع الخاص إلى ضعف التمويل، وبما أن المصارف تعد العمود الفقري في مسائل مساندة سياسات التنوع الاقتصادي، فكلما كان القطاع المصرفي أكثر مرونة في تمويل قطاعات الأعمال - ولا سيما المشروعات الصغيرة والمتوسطة - كانت قدرتنا أكبر على تنويع الاقتصاد الوطني بسرعة وأكثر كفاءة، وسيكون اقتصادنا قادرا على امتصاص الصدمات الاقتصادية، وزيادة معدلات التوظيف للسعوديين، إضافة إلى أن اتساع نطاق القطاع الخاص يؤدي إلى كفاءة توزيع الثروة الوطنية.
منذ الخطط الخمسية الأولى والمملكة تسعى إلى تنويع اقتصادها، إلا أن تلك الخطط كانت تعتمد على الإنفاق الحكومي وعلى المصارف الحكومية المتخصصة، مثل صندوق التنمية الصناعية أو الزراعية وغيرهما من الصناديق المتخصصة، ومع الأسف لم يتغير هذا النموذج كثيرا منذ تأسيس تلك المصارف الحكومية المتخصصة في تمويل الأنشطة الاقتصادية المتخصصة على الرغم من ضرورتها.
الحقيقة أن اقتصادنا لا يعاني ضعف التمويل أو نقص حجم السيولة، إنما مشكلتنا مع هيكل المصارف، الذي يمول استهلاك الأفراد والعقار ومشاريع المقاولات المرتبطة بعقود حكومية والمشتريات الخارجية لجودة الضمانات التي يطلبها القطاع المصرفي.
ثم إن القطاع الخاص غير قادر على النهوض، والسبب يعود إلى صعوبة الحصول على تمويل من المصارف التجارية، ولا سيما مشاريع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، التي تعد العمود الفقري في أي بلد.
مما لا شك فيه أن إعادة توجيه مدخرات المجتمع، وتعبئة تلك الأموال لخدمة الاقتصاد، يتطلبان أن يقوم البنك المركزي بوضع المحفزات اللازمة وفق منهجية منضبطة وعلى فترات زمنية متقاربة.
أخيرا، إذا ما أردنا تنفيذ سياسات "الرؤية" في التنوع الاقتصادي، فعلينا عمل التالي:
1 - زيادة عدد المصارف إلى رقم مضاعف من العدد الحالي، سواء عن طريق تأسيس مصارف وطنية أو منح رخص لمصارف أجنبية جديدة.
2 - فرض سياسات تحفيزية في توزيع محافظ القروض، وربط التحفيز بمعدل الاحتياطي القانوني للبنك ونسبة استخدام الودائع في القروض.
3 - تناسق وتكامل سياسات الاقتصاد والمصارف والعمل.