الشرق الأوسط في حالة تغيير .. حان وقت التحرك «3 من 3»

نظرا لأن 60 في المائة من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يستخدمون الهواتف المحمولة، فإن التكنولوجيا المالية تقدم فرصة لتوفير الخدمات المالية لعدد أكبر من المستهلكين. لكن معظم بلدان المنطقة لم يعتمد إصلاحات تسمح للمؤسسات غير المصرفية بدخول هذا المجال. وينبغي للأجهزة التنظيمية أن تضع أطرا تشجع الابتكار مع حماية خصوصية المستهلكين والبيانات ومنع أنشطة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
سيكون التقدم محدودا لو لم تتح للنساء، اللاتي يشكلن نصف السكان، فرصا للنجاح: وبشكل أعم، يمكن للتكنولوجيا أن ترفع الإنتاجية والنمو. وهناك فرص كبيرة واعدة تقدمها التكنولوجيا الخضراء على وجه الخصوص، بما في ذلك الطاقة الشمسية. ولكن بينما يمكن للتكنولوجيا أن تجعل العمالة أكثر كفاءة وتوجد فرص عمل في القطاعات الجديدة، فقد تتسبب أيضا في إلغاء الحاجة إلى بعض الوظائف. ويمكن أن يستمر اتساع فجوات الدخل والتوظيف إذا لم يعد إدماج هذه العمالة في الاقتصاد على نحو فعال.
ومن هنا تأتي أهمية تحسين التعليم والتدريب. وفيما عدا بضعة بلدان مثل البحرين ومصر والمملكة العربية السعودية، نجد أن نسبة البالغين في سن العمل الحاصلين على تعليم بعد الثانوي أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 17 في المائة. وينبغي زيادة تركيز العملية التعليمية على المهارات التي يتطلبها أصحاب الأعمال في الصناعات المختلفة مثل الإلكترونيات والسيارات والطائرات والتكنولوجيا المالية. وسيكون التعليم عاملا أساسيا أيضا في تشجيع المساواة بين الجنسين. فمعدل مشاركة النساء في سوق العمل لا يتجاوز ثلث مشاركة الرجال. وتساعد السياسات التي تشجع المرأة على العمل، مثل ساعات العمل المرنة وخدمات رعاية الطفل، على إدخال أعداد أكبر من النساء في سوق العمل الرسمية وتعزيز الإنتاجية والنمو. ولكن هذه السياسات هي البداية فقط. فمن الصعب أن نتصور مستقبلا اقتصاديا مشرقا للمنطقة دون تغييرات عميقة في التصورات الجامدة للأدوار الاجتماعية ومساهمات الجنسين. وينبغي أن تكون المساواة في فرص الحصول على التمويل والتدريب والتكنولوجيا هي ركيزة تمكين المرأة والسماح لها بالمنافسة على قدم المساواة مع الرجل.
إلى جانب نقص الوظائف، كان الفساد وعدم الكفاءة من أسباب الاستياء الشعبي الذي أشعل انتفاضة المنطقة. ولن يقتصر أثر تحسين الحوكمة في المساعدة على علاج الشكاوى الاجتماعية، بل إنه سيؤدي أيضا إلى تعزيز ثقة الأعمال وزيادة الاستثمار. فلا يزال ترتيب معظم بلدان المنطقة في النصف الأدنى من المؤشرات العالمية التي تقيس قدرة الحكومات على العمل الفعال والسيطرة على الفساد، كما أن هذه المراتب تدهورت في السنوات القليلة الماضية. وينبغي أن تقدم الحكومات الموارد اللازمة والسلطة القانونية المطلوبة لتحسين الشفافية والإدارة المالية مع العمل في الوقت نفسه على مكافحة الفساد.
ويعتبر الدمار المترتب على الحرب أكبر اختبار للجميع. فاللاجئون بحاجة إلى الغذاء والمأوى والتعليم والمساعدة على العثور على فرص عمل؛ والبلدان المضيفة لا طاقة لها بتحمل هذه الأعباء وحدها. وعندما تنتهي الصراعات، ستكون المهمة التالية هي تعبئة الموارد اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية والمؤسسات وإعادة النازحين إلى سوق العمل. وغالبا ما يكون نمط التمويل متقلبا بالنسبة للبلدان الخارجة من مرحلة صراع، ما يتطلب تنسيقا قويا على المستوى الدولي لضمان حصولها على الدعم الكافي. وينبغي أن يكون التمويل الرسمي في صورة منح أو يقدم بشروط على درجة عالية من التيسير، كما ينبغي أن تكمله تدفقات كبيرة من القطاع الخاص، بما في ذلك التبرعات وتحويلات العاملين.
لا شك أن المنطقة تقف عند مفترق طرق في تاريخها الحديث، مع احتمالات أن تكون العواقب وخيمة على الرخاء العالمي. فلم يمر على صناع السياسات وقت أكثر حرجا يتطلب منهم التركيز على تمكين أعداد هائلة من أصحاب المهارات غير المستغلة. وسيكون التقدم محدودا لو لم تتح للنساء، اللاتي يشكلن نصف السكان، فرصا للنجاح. وعلى ذلك فإن التحول لن يكون قابلا للاستمرار ما لم يتم تعجيل الإصلاحات، مع جعل الاحتواء الاقتصادي هدفا أساسيا لها. ويتيح التعافي العالمي فرصة فريدة، وحين يعود السلام إلى المنطقة، سيزداد أثر الإصلاحات التي تتم اليوم أضعافا مضاعفة. ولذلك يتعين التحرك الآن لرفع النمو ومستويات المعيشة على أساس قابل للاستمرار وتحقيق طموحات شعوب المنطقة. فالجمود سيكون كارثيا وسيعني استمرار الركود الاقتصادي وتزايد البطالة وتصاعد التوترات الاجتماعية وامتداد أجل الصراع. الآن هو وقت الانتقال من الأهداف إلى التحرك العملي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي