الشرق الأوسط في حالة تغيير .. حان وقت التحرك «1من 3»
أمام بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فرصة سانحة لإجراء الإصلاحات اللازمة بما يكفل الرخاء لعقود قادمة، فقد كان عام 2011 إيذانا بفترة من التغير غير المسبوق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبينما استحوذت المطالبات بالتحول السياسي على اهتمام العالم، كان الدافع الأساسي وراء هذه الدعوات هو القضايا الاجتماعية والاقتصادية غير المحسومة. وبعد قرابة سبعة أعوام، نجد أن تقدما ملحوظا قد تحقق من حيث الإصلاحات المالية العامة. لكن هذه الإصلاحات لا يزال أمامها شوط طويل حتى تتمكن من تقليص التفاوتات في توزيع الثروة داخل معظم بلدان المنطقة أو تضييق فوارق التنمية فيما بينها. فقد أدت الصراعات الإقليمية المطولة، وانخفاض أسعار النفط، وضعف الإنتاجية، وعدم جودة الحوكمة، إلى إلحاق خسائر فادحة بالمنطقة. ولم يكن النمو قويا بالدرجة الكافية لإحداث خفض ملموس في البطالة، حتى بلغ تعداد الشباب غير العاملين نسبة مذهلة قدرها 25 في المائة حاليا.
ونتيجة لذلك، تواجه الآن بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خيارا صعبا بين التقشف لفترة قصيرة والمثابرة في إتمام الإصلاحات طويلة الأجل التي يتعين القيام بها لتأمين رخائها الاقتصادي في المستقبل. فالتخلي عن التعديلات الاقتصادية المهمة المطلوبة لتعزيز النمو الاحتوائي وتحديث القطاعين العام والخاص من شأنه أن يعود بالمنطقة إلى الوراء، ربما لعدة عقود مضت. ويتيح الاقتصاد العالمي بظروفه المواتية فرصة مواتية للتعجيل بوتيرة الإصلاح. وقد حافظت بلدان المنطقة على استقرار اقتصادها الكلي، لكن النمو كان أبطأ بكثير من المستوى المطلوب لمواكبة تزايد السكان، ما أسفر عن ارتفاع مستمر في البطالة. فمتوسط النمو الاقتصادي لم يتجاوز 3.6 في المائة سنويا منذ عام 2011، وهو ما يقل عن العقد الماضي. ولا يبدو معدل البطالة الكلي البالغ 10 في المائة مثيرا للقلق، ولكنه يرتفع إلى أكثر من 18 في المائة في الأردن، كما أنه مرَكّز في النساء والشباب أكثر من أي فئة سكانية أخرى. ولن يؤدي الإبقاء على الوضع الراهن إلا إلى تفاقم الأمور. وتشير تقديرات الصندوق إلى أن استمرار معدلات النمو السائدة منذ عام 2011 يمكن أن يرفع متوسط البطالة إلى أكثر من 14 في المائة بحلول عام 2030. وإضافة إلى ذلك، تكبدت المنطقة خسائر فادحة بسبب الصراعات في أفغانستان والعراق وليبيا وسورية التي أودت بحياة ما يقدر بنصف مليون نسمة منذ عام 2011، وأسفرت عن نزوح 12 مليون نسمة في سورية وحدها. وكان الأثر الاقتصادي مدمرا، إذ أصيبت المنازل والمستشفيات والطرق والمدارس بالتلف أو الدمار، بتكلفة تقديرية تعادل أربعة أضعاف إجمالي الناتج المحلي السابق على الأزمة. وبالطبع، يضيف نزوح اللاجئين من مناطق الصراع ضغوطا كبيرة على الميزانيات والبنية التحتية وأسواق العمل والإسكان في البلدان المضيفة، مثل لبنان والأردن. كذلك أدت الصراعات إلى إرباك أنشطة التجارة والسياحة والاستثمار.
ويدرك صناع السياسات في المنطقة أن هناك حاجة إلى إيجاد مزيد من فرص العمل وتقوية النمو ومن ثم فقد أضافوا هذه الأهداف، إلى جانب تعزيز الطابع الاحتوائي للنمو، إلى خطط التنمية الوطنية. وإذا أحسنوا تنفيذ هذه الخطط، فستقطع شوطا طويلا نحو تحقيق هذه الأهداف. وسيكون من المهم بوجه خاص إدراك الحاجة إلى منح المرأة حقوقا مساوية للرجل وزيادة مشاركتها في سوق العمل. وقد اتخذت خطوات في الاتجاه الصحيح أخيرا – بما فيها قرار المملكة العربية السعودية بالسماح للمرأة بقيادة السيارات. وستكون سياسات التعليم وسوق العمل أمرا أساسيا أيضا، لأن الشباب دون سن الثلاثين يشكلون نحو 60 في المائة من مجموع السكان. ومع توفير الفرص والتعليم المناسبين، يمكن لشباب المنطقة أن يستحثوا نموا اقتصاديا غير مسبوق وتحقيق مكاسب من هذه الميزة الديمغرافية على غرار ما فعلته النمور الآسيوية منذ بضعة عقود.
وتبذل الحكومات جهودا لتنشيط التجارة والاستثمار. وفي هذا السياق، تم تخفيض الحواجز التجارية في كثير من البلدان – من الأردن إلى المملكة العربية السعودية. وانضمت المغرب وتونس إلى "ميثاق مجموعة العشرين مع إفريقيا" الذي يهدف إلى تشجيع الاستثمارات الخاصة المنتظرة أن تساعد على تحسين البنية التحتية. وقام الأردن والمغرب وتونس بجهود لتنويع قاعدة الصناعة التحويلية، ودعم الصادرات، وزيادة فرص العمل. فعلى سبيل المثال، تمكن المغرب من جذب شركات صناعة السيارات، بما فيها مجموعة بي إس إيه، بيجو، سيتروين، ومجموعة رينو، عن طريق توفير البنية التحتية ذات الكفاءة وإمدادات الكهرباء الجيدة والعمالة الماهرة.
ونتيجة لذلك، يهدف قطاع السيارات المغربي إلى ايجاد 90 ألف فرصة عمل مع حلول عام 2020. ما مقدار النمو الذي يمكن أن يتحقق مع زيادة التجارة؟ تشير تقديرات الصندوق إلى أن المنطقة إذا تمكنت من مضاهاة أفضل تحسن حققته لمدة عام حتى الآن في مجال الانفتاح، فسيرتفع المعدل السنوي المتوسط للنمو الاقتصادي نقطة مئوية واحدة على مدار السنوات الخمس القادمة، مقارنة بتنبؤاتنا الأساسية التي تشير إلى نمو قدره 3.3 في المائة.
كذلك تضع الحكومات إيجاد فرص العمل في صدارة جدول أعمال السياسات. وتهدف خططها في هذا الخصوص إلى تنمية القطاع الخاص عن طريق توفير فرص عمل أفضل للشباب والنساء وزيادة فرص الحصول على التمويل، كما تسعى إلى توفير خدمات عامة أفضل، وتحسين الشفافية والمساءلة، والمساهمة في زيادة حجم وكفاءة الإنفاق للأغراض الاجتماعية والاستثمارية. وقد تصدر كثير من هذه الموضوعات النقاش بالفعل في عام 2014 حين اجتمع قادة المنطقة في عمان لتحديد السياسات التي تعطي دفعة للوظائف والنمو والعدالة في العالم العربي، وهي لا تزال تحتل موقعا مركزيا في حوارنا اليوم على خلفية مطالبة المواطنين بتغيير أسرع وأعمق.