هل نعيد تنظيم نمط حياتنا؟
في ليلة جمعتني ببعض زملاء الجامعة في منزلي، كان نقاشا ثريا تناول عدة قضايا حياتية، حيث أخذ النقاش الطابع العلمي، وإن كان بصورة لطيفة، ولغة سهلة لا تصل إلى لغة المحاضرات الجافة، المنفرة. ومن المواضيع التي تم التطرق لها بشيء من العمق، والشمولية عمر الإنسان، والعوامل المؤثرة فيه، حيث تم الاستشهاد ببعض المجتمعات، وطول أعمارها، ومجتمعات أخرى تميزت بقصر الأعمار، فأوروبا؛ خاصة بعض دولها يلاحظ عليها الأعمار الطويلة، والشيخوخة المتقدمة، ومما ذكر من أسباب بشأنها الأكل الجيد، والعناية الصحية، ونمط الحياة المتمثل في مواعيد الأكل والنوم، وممارسة الرياضة، مع أن ظروف الطقس من برد وجليد لا تشجع على ممارسة الرياضة في الأماكن المفتوحة إلا للنادر من الناس الذين يتحملون الظروف القاسية، إلا أن الدول أوجدت البدائل التي تشجع على ممارسة الرياضة في أماكن مغلقة تتوافر فيها الشروط الصحية، والظروف المناسبة لحالات الطقس.
بين فينة، وأخرى تجرى مقابلات مع بعض المعمرين في أماكن عدة في العالم بما فيها المملكة، وما يجمع بين هذه الحالات الفردية نوع الأكل، ونمط الحياة الذي يسيرون عليه، وبذل الجهد البدني، سواء في الرياضة، أو أن طبيعة العمل تقتضي بذل الجهد البدني، ما ينشط الجسم، ويزيد من شهية الأكل، كما أن نوع الأكل، ووقته له قيمته في صحة الإنسان، وما تم تناوله في النقاش أن وجبة العشاء في أوروبا والولايات المتحده تكون مبكرا، وقبل دخول الليل، كتقليد اجتماعي مفيد صحيا، وهذا التقليد كان موجودا في السابق لدينا، حيث وجبة العشاء قبل المغرب، وحتما تتم بعد صلاة المغرب مباشرة لو حدثت بعض الظروف، إلا أن الانفتاح على العالم الخارجي أحدث تغيرات بعضها إيجابي، والآخر سلبي، كما في تناول وجبة العشاء في ساعات متأخرة من الليل، وأسهم في هذه العادة كثرة المطاعم، وفتحها لساعات متأخرة من الليل.
مما تم طرحه أن عمر الإنسان من الناحية الجينية يصل إلى 145 عاما متى ما تم التحكم في محتوى اللغة الذي يتلقاه الفرد، فعلماء الأحياء الذين ينحون هذا المنحى يرون أن محتوى اللغة الإيجابي يمثل دعما لصحة الإنسان العقلية والنفسية، ما يطيل في عمره، على العكس من المحتوى السلبي الذي يؤثر سلبيا ويقصر من عمر الإنسان، وما من شك اللغة العنيفة الشديدة المحبطة تزيد من هم الفرد، وتعرضه للضغوط التي بدورها تحدث الأمراض.
ومع إدراك أهمية المحتوى اللغوي، إلا أن عامل اللغة ليس هو المؤثر الوحيد في العمر، إذا سلمنا جدلا بالعمر الأقصى من الناحية الحيوية، فما يشاهده الإنسان من أحداث، ذات طابع إيجابي أو سلبي له تأثيره، فقوة الحدث، وبشاعته كأن يرى الفرد عملية طعن غادرة، ودماء تسيل، أو أعضاء مبتورة، خاصة في حال الحروب والنزاعات، لها أثرها، ما يحدث الكآبة والحزن والخوف، وربما الجلطات، وهذه عوامل سلبية تؤثر في حياة الإنسان، وعلى العكس من ذلك ما يشاهد من أحداث مفرحة، ومبهجة لها أثرها الإيجابي، ولذا لا بد من طرح التساؤل الآتي:
هل محتوى الأفلام العنيفة، وما يتم تبادله عبر وسائط التواصل الاجتماعي من مشاهد ضاغطة لها تأثير سلبي في حياة المشاهدين، حتى وإن كان المشاهد أصما، أو سويا لكنه لا يفهم لغة الفيلم؟ لا شك لدي في الأثر السلبي في صحة الناس لما تحدثه من اضطرابات نفسية، وعدم استقرار، وفقدان للطمأنينة، ومن تأثير في جودة التفكير، والسلوك، والأكل، ونمط الحياة العام.
النقاش السابق قادني إلى البحث عن معنى الحديث الشريف "من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه" فوجدت أن ما ذكره العلماء بشأن "النسأ" في الأثر، القوة في الجسد، ومن المعاني البركة في العمر والتوفيق لفعل الخير، ومَلؤه بالطاعات، كما ورد أيضا بقاء الذكر الجميل للإنسان، كما ورد أن من المعاني الزيادة الحقيقية في العمر، كما استحضرت ما ورد في القرآن الكريم ما ورد بشأن عمر النبي نوح - عليه السلام - إذ مكث 950 عاما في دعوة قومه، وهذه الحقيقة خلاف ما توصل إليه علماء الأحياء بشأن أقصى عمر للإنسان.
بقي أن نقول إن حوادث السيارات الكثيرة والقاتلة تسهم في وفيات كثيرين وهم في ريعان شبابهم، إضافة للأمراض الناجمة عن سوء التغذية وأمراض العصر، كالسكري، والضغط، والجلطات، كلها تسهم في انخفاض متوسط العمر العام في المجتمع.
إن سن القوانين والأنظمة، وإشاعة ثقافة الرياضة الفردية، وإعادة النظر في عناصر الغذاء، ومزيد من الرعاية الصحية، كفيل بإيجاد أجيال قوية بدنيا، مطمئنة نفسيا وصحيحة عقليا، فهل نسارع إلى ذلك أفرادا وهيئات رسمية؟