عشر ذي الحجة
تتوالى مواسم الخير علينا فتظلنا عشر ذي الحجة بخيراتها الكثيرة التي أكدها الله في كتابه الكريم حين أقسم بها في قوله تعالى: "وليال عشر" وأكد سمو قيمتها وقدرها النبي- صلى الله عليه وسلم- بقوله: "ما من أيام فيها العمل الصالح أحب إلى الله من هذه العشر" ــ يقصد عشر ذي الحجة ــ فسئل، "ولا الجهاد في سبيل الله" ــ وكلنا يعلم أن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام ــ فقال صلى الله عليه وسلم: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بماله ونفسه ولم يرجع من ذلك بشيء".
يتضح من هذا الحديث الأهمية العظمى للعمل الصالح في هذه الأيام، ولئن اختلف الناس في نوعية الأعمال الأرجى للقبول والفضل في هذه الأيام، فقد اتفقوا أن أعظم الأعمال هو حج بيت الله الحرام، وأتى الاختلاف بين العلماء في أسبقية بقية الأعمال وهذا يفتح الباب أمام كل مسلم ليعمل من الصالحات ما يناسب حاله، دون حصر في مجال أو أسلوب معين. لعل التقرب من أهل الحاجات والبحث في حلول لصعوبات من يعيشون تحت ضغوط الحياة والفاقة من الأعمال التي يمكن أن تؤلف القلوب، وتحقق للمسلم الخير في هذه الأيام. لكن القراءة المتفحصة لما ينهال علينا اليوم من الرسائل والمقترحات يستدعي من الجميع التوقف والتحقق.
نحن في عالم يموج بالمعلومات، يحاول كثيرون فيه أن يحولوا الرأي العام باتجاه رؤيتهم الخاصة، حتى إن بعضا يغض الطرف عن وجود آراء متعددة في مسألة معينة ويصر على أن رأي شيخه أو مذهبه هو الأرجح مع أن الاختلاف في ذاته رحمة للناس ويفيد بتوسيع الفرص أمام العمل الصالح والخيارات المفتوحة، التي لم نعلم تضييقا لها في حال السلف فكيف بمن جاء بعدهم يضيقون على الناس، فرحمة الله وسعت كل شيء وأساس الدين هو عمل القلوب واليقين الراسخ الذي يصدقه العمل الصالح بشتى أنواعه.
نظرة التسامح هذه هي ما نحتاج إليه اليوم، ونحن نتعايش مع ديانات مختلفة، بل مع أشقاء لنا في العقيدة يتبعون مذاهب أخرى، قد يكون التقليل من شأنها أو رفضها سببا لخسارة العلاقة الودية التي بدأها مؤسسو هذه المذاهب الذين كانوا يصلون خلف بعضهم وتعلموا على أيديهم وأقر بعضهم البعض الآخر حتى في المسائل التي اختلفوا فيها.