رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


دور المجتمع في معالجة سوق العمل

لا شك أن مسألة توطين الوظائف تعد هاجسا للمجتمع، خصوصا بعد أن أصبحت نسب البطالة تتجاوز ما هو مخطط له خلال الفترة المقبلة في برنامج التحول الوطني 2020 وبرنامج "رؤية المملكة 2030"، ولعل أحد أسباب هذه الصعوبات هو عدم الاستفادة من المجتمع في أن يكون له دور فاعل في مسألة تصحيح تشوهات سوق العمل وتوطين الوظائف، بل إن الرسائل التي قد تصل من بعض المثقفين سلبية، لا تعزز من فرص توطين شريحة كبيرة من الوظائف، خصوصا في ظل المتغيرات الحالية، التي تعول فيها المؤسسة الحكومية على القطاع الخاص في استيعاب القوى العاملة الوطنية، وذلك في ظل الميل إلى الحد من طرح كثير من الوظائف في القطاع العام، بل على العكس من ذلك؛ حيث إن هناك خططا لتحويل بعض القطاعات والمؤسسات إلى قطاع خاص أو شبه حكومي، بحيث لا يخضع عمليا إلى نظام الوظائف في الخدمة المدنية، وهذا بلا شك تحول كبير في المجتمع، كما أنه أوجد بيئة مختلفة للوظائف بزيادة كفاءة المؤسسات والشركات في القطاع الخاص وشبه الحكومي، وزيادة إنتاجية تلك القطاعات، وأن تكون مؤسسات تحقق عوائد بدلا من أن تكون عبئا على المؤسسة الحكومية. في ظل وجود هذا التوجه العام، قد يكون من الصعب استحداث الوظائف الحكومية، كما أن الوظائف ذات الامتيازات في المؤسسات شبه الحكومية والقطاع الخاص لن تكون متاحة باستمرار أو وفق جدول، كما هو الحال في كثير من الوظائف الحكومية سابقا، ومن هنا تأتي أهمية العمل على مجموعة من البرامج، التي يمكن أن تعزز من فرص حصول القوى العاملة الوطنية على وظائف مناسبة بدخل جيد، أو تكون لديهم فرص متاحة لممارسة الأعمال التجارية وفق منافسة معقولة، يمكن للمواطن أن يجد فيها بيئة تنافسية عادلة مع غيره من المواطنين، وهنا تبرز مجموعة من التحديات التي يمكن أن يسهم فيها المجتمع بما ينعكس إيجابا على سوق العمل وتوطين الوظائف، ومن ذلك: محاربة التستر؛ إذ إنه يعد جريمة وفق الأنظمة في الوطن، وهو أحد أهم الأسباب التي أعاقت نجاح توطين الوظائف لأسباب متعددة تغيب فيها عدالة المنافسة، وهنا يمكن للمواطن أن يسهم في محاربة التستر، سواء بالإبلاغ عن تلك المؤسسات، أو عدم التعامل معها إلى أن تثبت لمواطن الملكية الفعلية لتلك الشركات والمؤسسات، أو أنها شركات أجنبية حاصلة على رخصة للعمل في المملكة رسميا. الحد من الوظائف التي تعد عبئا على المجتمع، والتي يوظف فيها المواطن لا للاستفادة منه، بل للوصول إلى النسبة المطلوبة للتوطين، وهذه لها آثار سلبية كبيرة جدا في المجتمع، لعل من أهمها القضاء على تاريخ هذا المواطن المهني، الذي لا يتحقق له حينها خبرة في ممارسة الأعمال، وبالتالي يكبر، ثم تأتي المنافسة من الأجيال الجديدة، فلا يجد لنفسه فرصة تناسب احتياجاته وطموحه مستقبلا، كما أن هذه الممارسة لا تمكن المواطن في القطاع الخاص، وتحرم كثيرين من الحصول على فرص العمل المناسبة لهم، وتجعل المواطن عبئا على الاقتصاد بدلا من أن يكون شخصا منتجا. والحقيقة أنه لا بد أن تكون هناك محاسبة للمؤسسات التي تمارس ذلك، إضافة إلى المواطن الذي يقبل بمثل هذا الإجراء. من التحديات التي يمكن أن تواجهها السوق أن يتكيف المجتمع، خصوصا الشباب، مع واقع السوق، ففي بعض الأحيان نجد أن بعض الشباب يصر على العمل في المجال الذي تخرج فيه، في حين أن توافر هذه الوظائف قد يخضع لأمور مرتبطة بواقع السوق، وهنا، فإن الانتظار طويلا إلى حين الحصول على الفرصة المناسبة قد يكلف المواطن والوطن كثيرا؛ إذ إن كثيرا من القيادات في مختلف المجالات لم تتطور في مجال عملها، بل وجدت مكانا للعمل في مجالات مختلفة، كان لها الأثر الكبير في الحصول على فرص قد لا تكون متاحة في مجال تخصصه، فكثير من رجال الأعمال لم يبدأ نشاطه في مجال تخصصه، لكنه أبدع، ولذلك فإن الانتظار طويلا ليس من مصلحة الشاب أو الفتاة؛ حيث يحرمه من الاطلاع على فرص لم تكن في حسبانه. من الأمور التي ينبغي للمجتمع العناية بها، وجود توجه عام لتفضيل التعامل مع الأنشطة التجارية التي يباشرها مواطنون، وتشجيع ودعم الشركات التي تعتني بتوظيف المواطن، وتشجيع الشباب على قيم العمل، مثل الصبر والانضباط والمبادرة والحرص على التميز، بما يعزز من ثقة السوق بالقوى العاملة الوطنية. والخلاصة؛ إن مسألة نجاح توطين الوظائف والقطاع الخاص بصورة عامة تتطلب مجموعة من الأمور التي ينبغي أن تسير بشكل متواز، ومن ذلك الأنظمة والتشريعات والتعليم والتدريب والمراقبة والمحاسبة، ولا يقل عن ذلك من جهة الأهمية دور المجتمع في تحقيق تحول حقيقي وكبير في جانب التوطين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي