جمال ناجي .. وداع أثرته التجربة العسيرية

جمال ناجي .. وداع أثرته التجربة العسيرية
جمال ناجي .. وداع أثرته التجربة العسيرية
جمال ناجي .. وداع أثرته التجربة العسيرية

ودعت الأوساط الثقافية والأدبية الأردنية والسعودية خصوصاً والعربية عموماً مطلع الشهر الجاري الروائي جمال ناجي، الذي غيبه الموت إثر نوبة قلبية حادة، بعد مسيرة عطاء أدبي حافلة بالإبداع، وشيع الكتاب والأدباء جثمان الروائي، فيما نعاه المثقفون العرب في مشرق الوطن العربي ومغربه.
بداية ناجي مع الرواية كانت من خلال "الطريق إلى بلحارث"، التي نشرها عام 1982، ولاقت أصداء واسعة في حينها، وأعيدت طباعتها سبع مرات، وشكلت حافزا له للاستمرار في الكتابة الروائية، تحكي الرواية قصة عدد من المدرسين الذين اغتربوا عن أوطانهم بحثا عن فرص العيش، ضمن ظروف قاسية تقاسمها المدرسون وأهالي قرية بلحارث في أسفل جبال عسير، وما رافق ذلك من غرائب لم تكن في وارد بطلي الرواية "عماد" و"منصور" أو حبيبة عماد المقيمة في عمان "نادية".
تلخص الرواية حكاية انهيار الأحلام المبنية على الحلول الفردية لواقع الحياة التي اضطرت منصور وعماد إلى الاغتراب في مناطق نائية، وحكاية التمازج الإنساني الذي ميز علاقتهما بسكان تلك المنطقة الذين اتخذت معاناتهم أشكالا أخرى في ذلك الوقت.

الحنين إلى المملكة

وفي حديث صحافي حول الحنين إلى المملكة العربية السعودية قال ناجي في إجابة عن سؤال: ألم تتطلع إلى زيارة السعودية مجدداً بعد ربع قرن غياباً؟ ومتى ستأتي؟ ليجيب: "تقصد بعد 35 عاماً على مغادرتي بلحارث؟ نعم أتطلع إلى هذه الزيارة بشوق، وأتوق إلى رؤية بلحارث وناسها وجبالها ورمالها وما بقي من بيوتها، وكيف صارت بعد كل هذه السنين، لا يستطيع المرء نسيان ماضيه الذي يشكل جزءاً من شوطه مع الحياة.

التجربة العسيرية 

وعن الفترة التي قضاها في عسير قال: "تلك مرحلة عزيزة من حياتي، مع أنني لست واثقاً من أن مَنْ كانوا من أصدقائي في بلحارث ما زالوا على قيد الحياة أم أنهم رحلوا، لكن هنالك اثنان أو ثلاثة من طلبتي الذين كانوا صغاراً، يراسلونني من حين لآخر عبر "فيسبوك"، ويذكرونني بذلك الشاب المغترب الذي كان يدرّسهم مادة الرسم، حتى إن أحدهم ذكّرني بطرفة حدثت معي خلال إحدى الحصص، فحينما كنت أشرح لهم عن فوائد الفواكه حسب المنهاج، تحدثت عن البرتقال والتفاح والمشمش، وفوجئت بأن أحدهم لم يعرف ما هو المشمش ولم يذق طعمه من قبل، رسمته لهم على السبورة ولم يعرفوه، فتعذر علي الشرح حينئذ، ليس لقلة حيلتي، إنما لإحساسي بالحزن المفاجئ على أولئك الصغار، الذين كانوا محرومين في القرى النائية، أحياناً أشعر بأن المكان الصحراوي يناديني، ويدعوني إلى خوض تجربة التأمل التي عشتها خلال وجودي في بلحارث، كنت أقضي ساعات من التأمل، تساعدني فضاءات الصحراء الصامتة، وآفاقها الواسعة، وبراءة الأشياء فيها".

رأي الفقيد في النتاج الثقافي السعودي

وكان لناجي نظرة عن كثب على الأدب الثقافي السعودي، إذ قال عن النتاج الثقافي السعودي: "قرأت لعدد من الروائيين السعوديين، منذر القباني، عبده خال، غازي القصيبي، يوسف المحيميد، أميمة خميس، رجاء عالم، ليلى الجهني، وعبدالحفيظ الشمري، بالطبع هنالك تجارب روائية سعودية أخرى كثيرة لم أطّلع عليها بعد، ربما كانت أكثر أهمية أو أقل من تلك التي قرأتها، لكن بوسعي القول إن الرواية السعودية حضرت بكثافة في المشهد الروائي العربي خلال العقد الأخير، ولقد دهشت من بعض الروايات، خصوصاً تلك التي تتناول الظلم وقضايا المدينة والقرية والعلاقات داخل المجتمع المدني، في الواقع، لقد أحسست بأن الروائيين الذين قرأت لهم يملكون عزما أكيداً على المواكبة والتنوير والتطوير".

السعودية حاضرة قبيل الوفاة

وكانت السعودية حاضرة في وجدان ناجي قبيل وفاته بأيام، وذلك من خلال مداخلة صحافية حول ظاهرة الإصدار الأول، وهل يمكن أن يحقق جوائز، وذلك تعليقاً على رواية "الحالة الحرجة للمدعو ك" للسعودي عزيز محمد، ليأتي رده قائلا: "من الممكن أن يفوز عمل أول بجوائز، شريطة أن تسبق الكتابة ثقافة أدبية ولغوية وتجربة حياتية وقدرات إبداعية تؤهل صاحبها لتقديم عمل متميز، ومع أن مثل هذه الحالات نادرة، إلا أنها موجودة عبر التاريخ، مارجريت ميتشل لم تكتب سوى رواية "ذهب مع الريح"، وآرثر رامبو لم يكتب سوى ديوان شعري واحد". وأضاف "هنالك عدد من الأمثلة التي يمكن ذكرها، لكنها شكلت في حينها علامات فارقة في التاريخ الأدبي، وفيما يتعلق بحصول العمل الأول للكاتب على جوائز فهذه مسألة فيها نظر؛ لأن الجوائز ذاتها تحتاج إلى إعادة نظر، لكن تظل هذه الإمكانية واردة؛ لأن المسألة تتصل بالقيمة الإبداعية والمعرفية للعمل بصرف النظر عن ترتيبه في تجربة". يذكر أن الروائي جمال ناجي ولد في 1954، وكان صاحب حضور مختلف ومتفرد في المشهد الثقافي، وذلك من خلال ما قدمه من إبداعات في حقول الأدب، إذ كانت الانطلاقة من رابطة الكتاب الأردنيين التي ترأس هيئتها الإدارية من 2001 - 2003، كما تم منحه جائزة الدولة التقديرية في الآداب لـ 2014، وجائزة رابطة الكتّاب عن روايته "الطريق إلى بلحارث"، وجائزة الدولة التشجيعية عن روايته "مخلفات الزوابع الأخيرة"، وجائزة تيسير السبول للرواية من رابطة الكتّاب 1992 عن مجمل أعماله، كما وصلت روايته "عندما تشيخ الذئاب" إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" 2010.

الأكثر قراءة