التدريب على رأس العمل .. ماذا عن تدريب المعلمين؟
يمثل التدريب منهجا من مناهج التربية والتعليم التي تستهدف في الغالب إكساب المرء شيئا يفقده من معرفة، أو مهارة بدنية، أو عقلية، أو سلوك لابد له من اكتسابه، حتى يتمكن من ممارسة حياته بشكل طبيعي، أو أداء وظيفته بالشكل المطلوب، فالطفل منذ الصغر يتدرب على الكلام من خلال ما يسمعه من والديه، والمحيطين به، وهم يكررون عليه ما يعتقدون ضرورة اكتسابه من كلمات في مرحلة من مراحل العمر، كما أن ذوي الاحتياجات الخاصة يحتاجون للتدريب على مهارات سلوكية تتناسب مع الإعاقة التي يعانونها، فذوو التخلف العقلي يحتاجون للتدريب على كيفية لبس الملابس، والذهاب إلى دورة المياه، والقدرة على مسك الأشياء، وتتطور عملية التدريب لتشمل الكتابة، والقراءة، ولو في أبسط صورها.
التدريب ليس مقتصرا على المراحل الأولى من العمر، أو ذوي الاحتياجات الخاصة، بل إن التدريب ضرورة من ضرورات الحياة لا يستغني عنها أي فرد مهما كان عمره، أو مستوى التعليم الذي حققه، وفي الحياة المعاصرة أصبح حاجة ضرورية، بسبب التحولات، والتطورات المعرفية، والتقنية المتسارعة إذا ما أراد المرء أن يواكب الحياة، ويتكيف مع مستجداتها، حتى لا يعيش غريبا، منعزلا عن الحياة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أصبح الكمبيوتر أداة من أدوات العصر التي لا غنى عنها في كثير من مجالات العمل، في المجال الطبي، والتعليمي، والمصرفي، والتجاري، حتى أنه أصبح أداة رئيسة يتم من خلالها تخزين المعلومات، وتنفيذ أوامر البيع، والشراء، والحوالات المالية. أما في المجال التعليمي، فقد توافرت البرامج التعليمية الحاسوبية، والتطبيقات، حتى أصبح بإمكان المعلم الاستفادة منها في تعليم طلابه في جميع المواد بلا استثناء، كما أصبح بمقدور الطالب البحث عن المعلومة، وبذا يتحقق مبدأ التعليم المتمركز على الطالب، لتختفي فكرة الدور الرئيس للمعلم، الذي تقدم فيه المعلومة للطالب على طبق من ذهب.
بهدف اكتساب الناس المهارات المهنية، والحياتية، والاجتماعية حين التعامل مع الآخرين، وتقديم الخدمة لهم، وجدت معاهد تدريب، واستحدثت الجامعات برامج تدريبيه تطول، وتقصر، حسب طبيعة الموضوع مجال التدريب، وحسب مستوى الحاجة المطلوبة من قبل المتدرب، كما أن بعض المتخصصين أصبحوا يقدمون دورات تدريبية، ولعل أبرزها ما يسمى دورات تنمية الذات التي كان لها حضور قوي على الساحة المحلية خلال السنوات الماضية، إلا أنها اختفت بعد اكتشاف الناس جوانب القصور التي تعتريها.
التدريب على رأس العمل حاجة ملحة لا يستغني عنه أي فرد، مهما كان عمره، أو خبرته في هذا الزمن، لما فيه من مستجدات في جميع المجالات. وقد قرأت خبرا مفاده نية وزارة التعليم تدريب المعلمين بالتعاون مع الجامعات خلال الإجازة الصيفية، لتجنب الانقطاع عن العمل أثناء العام الدراسي، وقد ورد في الإعلان أن فترة الدورة ما بين 17 ذي القعدة، وحتى 27 من الشهر نفسه لعام 1439هـ، ولعله من المناسب طرح مجموعة من التساؤلات الضرورية لنجاح البرنامج التدريبي، حتى لا تتحول الدورات إلى عمل روتيني لا يستفيد منه المتدربون، كما كان يحدث في السابق، حيث كانت الجامعات تعقد دورات تدريبية لمديري المدارس، والموجهين، والمعلمين، دون معرفة لاحتياجاتهم النوعية، كما أن المرشحين للدورات لا يتوافر لديهم الحد الأدنى من الدافعية، بل إن معظمهم يعد الدورة فترة استرخاء، وفرصة لقضاء الحوائج، وإكمال الالتزامات والمصالح الشخصية.
ومن تجربة شخصية، حين كنت عميدا لكلية التربية، توصلت إلى قناعة أن عملية الترشيح لا تتم وفق معايير موضوعية، كما أن الوزارة لا تقيم المتدربين بعد رجوعهم، لمعرفة التغيرات التي حدثت لديهم في مجال عملهم، وقد ألححت كثيرا وبخطابات رسمية على حصول الكلية على تغذية راجعة تمكنها من التعديل، والحذف، والإضافة في البرنامج التدريبي، لكن دون إجابة. وحتى تنفذ البرامج التدريبية بالشكل الصحيح يلزم الإجابة على الأسئلة التالية وغيرها:
ما تخصصات المرشحين؟
كم أعمار المرشحين؟
كم سنوات الخبرة للمرشحين؟
ما الاحتياجات التدريبية للمرشحين، معرفية، سلوكية، تقنية؟ وما درجة الحاجة؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، تعين الجهات المقدمة للدورات على تصميم، وتنفيذ البرامج التدريبية لتحقيق الأهداف التي من أجلها استحدثت الدورات بصورتها الجديدة. لعله من المناسب أن أهمس في آذان مسؤولي وزارة التعليم أن البرامج التعليمية، والتدريبية، سواء كانت طويلة، متوسطة، أم قصيرة كتلك التي أعلنت الوزارة تنفيذها بالتعاون مع الجامعات خلال الصيف، تؤسس على خصائص الملتحقين بها، واحتياجاتهم، وهذا ما أشك في قدرة الوزارة على تحقيقه، إما لعدم جاهزية الآليات المناسبة، أو عدم وضوح الرؤية، أو لضيق الوقت، وعدم دقة التخطيط.