حالة النفط الإيراني
من فترة إلى أخرى أرى أن هناك حاجة إلى مراجعة المستجدات ذات العلاقة باقتصادات دول المنطقة. صدر قبل أسابيع قليلة تحليل لواقع صناعة النفط الإيرانية من قبل إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. إيران إحدى الدول المعروفة بتوافر موارد الطاقة الهيدروكربونية، ولكن ليس بالضرورة التمكن بإنتاجها على الأقل بما يتناسب مع أرقام الوفرة والاحتياطيات المعلنة والمتنامية في العقود القليلة الماضية، بل إنها في هذا أقرب إلى حالة فنزويلا والعراق منها إلى دول الخليج. فمثلا وصل إنتاج إيران إلى 3.8 مليون برميل في 2017 بعد ما وعدت مرارا بتجاوز أربعة ملايين برميل على أثر رفع العقوبات منذ عامين. بلغ إنتاج إيران من النفط إذا شمل السوائل 4.7 و7.2 تريليون قدم مكعبة من الغاز الجاف. كان هناك تفاؤل على أثر رفع العقوبات ولكن إيران لم تستطع زيادة الإنتاج في السنوات الخمس الأخيرة.
تقدر وكالة الطاقة الدولية عوائد إيران بـ 36 مليار دولار لعام 2016 وتقدرها للعام المالي 2016/17 بنحو 57 الأغلبية الواضحة من النفط لأن أغلب الغاز يستهلك داخليا، حيث مثلا يستخدم نحو 15 في المائة منه في تحفيز الحقول القديمة لإنتاج النفط. من أهم المعلومات أن 40 في المائة من إنتاج الغاز يأتي من حقل واحد ـــ الشمال. يلاحظ تركيز إيران في المدة الأخيرة على جذب الشركات الأجنبية دون نجاح يذكر في تطويره. تطمح إيران إلى زيادة إنتاج النفط بمليون برميل حتى النصف الثاني من العقد المقبل خاصة بمساعدة الشركات الصينية، ولكن كثيرا من المهتمين يشككون في الوصول إلى هذا المستوى لأسباب فنية واقتصادية وحتى قانونية، والأقرب أنه لتعويض انخفاض الإنتاج في الحقول القديمة خاصة أن بعضها ينتج منذ نحو قرن.
استهلكت إيران نحو 270 مليون طن من مصادر الطاقة الأساسية كثاني أكبر مستهلك في المنطقة بعد المملكة في 2016، إذ تشكل هذه الموارد 98 في المائة من استهلاك إيران "الغاز 67 في المائة والنفط 31"، البقية من الفحم والهيدرولية والذرية والمتجددة. زاد استهلاك إيران 40 في المائة من 2006 إلى 2016. في 2017 صدرت إيران 2.5 مليون برميل من النفط والسوائل ذهب 24 في المائة للصين و18 في المائة للهند و14 في المائة لكوريا الجنوبية، و9 في المائة لتركيا، و7 في المائة لإيطاليا، و5 في المائة لكل من الإمارات واليابان وفرنسا طبقا لوكالة الطاقة الدولية، بينما استوردت إيران 16 في المائة من حاجاتها إلى وقود السيارات. على الرغم من أن إيران تملك ثاني أكبر احتياطي من الغاز في العالم إلا أنها المصدر رقم 15 في العالم، حيث تستهلك الأغلبية من ناحية ومحدودية القدرة على استغلاله من ناحية أخرى لأسباب متعددة, وهي رابع مستهلك للغاز بعد أمريكا وروسيا والصين في 2016، استهلكت إيران 6.9 تريليون قدم مكعبة، منها 32 في المائة لتوليد الكهرباء، و29 في المائة للمنازل والتجاري، و27 في المائة للصناعة. تبلغ قدرات إيران على التكرير نحو 2.15 مليون برميل.
أثبتت التجربة التاريخية الاقتصادية أن توافر الموارد ليس السبب الرئيس للنجاح الاقتصادي كما حدث في فنزويلا والعراق وإلى حد ما في إيران، كما دلل على ذلك الانخفاض الحاد في سعر صرف الريال الإيراني إذ تعدى مستوى 60 ألفا مقابل الدولار بعد أن كان نحو 28 ألفا قبل الحصار الاقتصادي في 2013 / 14. الضغوط المالية تحد من قدرة إيران على الاستثمارات الضرورية لزيادة الإنتاج. قيل سابقا إن مشكلات استخراج النفط فوق الأرض أكثر منها تحت الأرض، ولكن لعل إيران تعاني فوق الأرض وتحتها، حيث يبدو أن هناك مبالغات في الاحتياطيات خاصة أن هذه زادت في العقود القليلة الماضية دون تمحيص دولي بسبب اهتمام إيران بالشأن السياسي والتمركز والتدخل الخارجي.