آثار تجزئة سوق العمل السعودي

ما المقصود بتجزئة سوق العمل؟
تقطيع سوق العمل إلى أكثر من جزء أو سوق، وكل سوق لها خصائصها وقواعدها. والموضوع مبحوث بعمق في اقتصاد العمل. وليست العامل الوحيد، ولكنها عامل رئيس.
المثال التالي يسهل فهم الموضوع: تخيل أنك ذهبت إلى معرض لشراء آلة معمرة، كالثلاجة. وتخيل وجود ثلاجة مستوردة عليها ضمان ثلاث سنوات، وثلاجة مصنوعة محليا عليها ضمان شهور فقط. وتخيل أن مواصفات وسعر كل ثلاجة هو نفسه. وأن استهلاك المحلية للكهرباء ليس أقل من المستوردة. وتخيل أن أوضاع السوق تتيح لك لاحقا أن تستغني عن الثلاجة المستوردة بطريقة أقل تكلفة عليك مقارنة بالمصنعة محليا.
السؤال، أي الثلاجتين ستشتري؟ الجواب معروف، إلا في حالات. والسبب أن الواحد منا يقدم مصلحته.
سوق العمل في القطاع الخاص لدينا تسير بصورة، لا أقول مطابقة، ولكن شبيهة بما جاء في المثال السابق.
كيف؟ سوق العمل السعودي في القطاع الخاص مجزأة بحكم الأنظمة إلى جزأين أو سوقين: سوق للسعوديين وسوق للوافدين. ولكل سوق خصائصها وأحكامها.
نعرف وجود نظام عمل واحد. لكن، هناك أيضا أنظمة الإقامة والاستقدام. وهي، تفرض كثيرا من الأحكام التي تؤثر جوهريا في العلاقة بين صاحب العمل والعامل وحقوق كل منهما. وهذه الأحكام تنعكس بدورها على طبيعة الطلب على كل سوق من سوقي العمل. ومن ثم، فإن هذه التجزئة كانت سببا أساسيا من أسباب البطالة في بلادنا.
وتجزئة سوق العمل موجودة بصورة ما في دول كثيرة، تتفاوت في درجاتها ومستوياتها.
يمنع نظام الإقامة الوافد من تغيير صاحب العمل، أو ما يسمى في كتب اقتصاد العمل labor mobility، دون رضاه، بما يسمى شعبيا "نقل الكفالة". هذا القيد يضغط على العامل الوافد بما يشبه الضمان لمشتري الثلاجة. كيف؟ هو يعطي صاحب العمل ما يشبه الضمان أن الوافد أكثر طاعة له، وأكثر ثبوتا في العمل من السعودي، خاصة في المؤسسات الصغيرة. والمقصود، الوضع العام الغالب وليس 100 في المائة، حتى لا يساء الفهم.
بمعنى آخر، يجد صاحب العمل أن توظيف وافد يحقق له ميزات نسبية أكثر مما يحققه توظيف مواطن، بصورة عامة. ولا يخل بذلك وجود حالات خاصة أو مخالفة. ولا شك أن الناس تهمهم مصالحهم الذاتية قبل مصالح غيرهم. وهذا ينطبق بالتأكيد على التوظيف.
والنتيجة أن طلب أصحاب العمل على توظيف الوافد، في الغالب، أعلى من الطلب على توظيف المواطن.
لو كان مسموحا للوافدين بتغيير صاحب العمل، مع التضييق في إصدار التأشيرات الجديدة إلى أضيق نطاق، فإن هذا سيجعل المنشآت مستعدة لدفع أجور أعلى، بحيث ينتقل إليها من تراه مناسبا لوظائفها. أي أن إلغاء القيد يرفع أجور الوافدين في السوق المحلية، ما يقلل من منافستهم للمواطن.
الحد من حرية الوافد في تغيير صاحب العمل، أسهمت في جعل تكلفة توظيف السعودي أعلى من الوافد في الغالب. والتكلفة في المفهوم الاقتصادي أعلى مما يتبادر إلى الذهن. هناك عوامل لا تسجل في الدفاتر بصورة مباشرة أو فورية، ولكنها تحدث آثارا. وهذه الآثار تسهم في زيادة التكلفة و/أو خفض الأرباح على صاحب العمل عاجلا أم آجلا. من الأمثلة، مدى درجة الاستمرارية، ومدى القدرة على تغيير العمل عند التعرض لإغراء في الراتب، ومدى الانضباط خارج أوقات العمل المعتادة.

ما الحل للمشكلة؟
حلان، ولكل حل محاسنه وعيوبه، فالكمال لله. وقد تبنت الدولة مع "الرؤية" الحل الثاني. وحسب تصريحات سابقة لولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، فإن التفكير قائم لتطبيق شيء من الحل الأول جزئيا بما يسمى الـ"قرين كارد":
الأول منع إصدار تأشيرات جديدة، إلا في ظروف خاصة جدا جدا، مع إعطاء الوافد الذي ما زال يعمل في البلاد، حرية تغيير العمل، طبعا تحت تنظيمات وترتيبات كثيرة.
الثاني، فرض توظيف المواطنين، أي التوطين بقوة النظام.
وهذه بعض النقاط لمزيد من التوضيح:
- زيادة الاشتراطات لمن يستقدم للعمل.
- تحديد عدد كلي وصغير بوضوح للتأشيرات الجديدة سنويا.
- تسهيل إجراءات تغيير صاحب العمل للوافدين الذين معهم إقامات مشروعة.
- سن نظام لغالبية الأسواق على قفل أبوابها ليلا في ساعات أبكر مما تعودنا عليه.
وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي