شي جينبينج .. إلى أين يأخذ الصين؟
المثل القائل "كمن يذهب إلى الحج والناس عائدون منه" الذي عادة ما يستخدم لاستنكار عمل في غير أوانه، ينطبق على الصين. ففي كانون الثاني (يناير) من العام الحالي اتخذت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني الحاكم قرارا فاجأ كثيرا من المراقبين. هذا القرار تعلق بإزالة قيد دستوري يقضي بألا يمكث رئيس البلاد ونائبه في منصبيهما أكثر من فترتين متتاليتين مدة كل منهما خمس سنوات، علما بأن هذا القيد تم العمل به منذ عام 1982. حدث هذا في الوقت الذي بات فيه معظم دول العالم يتجه إلى تقليص سنوات الفترة الرئاسية، بل حصرها في مدتين فقط لا سبيل لتمديدهما، للحيلولة دون فكرة البقاء في السلطة مدى الحياة، أو ظاهرة عبادة الشخصية.
القرار الصيني صب، بطبيعة الحال، في مصلحة الرئيس الحالي شي جينبينج الذي كان قد اقترب حينها من إنهاء فترته الرئاسية الأولى، وكان يسعى للتجديد له لفترة ثانية، وهو ما تحقق في الخامس من آذار (مارس) الماضي بسهولة، بل ما سيتحقق له في المستقبل أيضا بفضل هذا التعديل الدستوري، ليتحول إلى رئيس مدى الحياة.
وبالتزامن مع تعديل المادة الدستورية المذكورة اقترحت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني إدراج أفكار وتوجيهات الرئيس جينبينج، وخصوصا تلك المتعلقة برؤيته حول ما يسمى "الاشتراكية الصينية" في دستور البلاد، من بعد أن كانت تلك الأفكار قد تم تضمينها في دستور الحزب الحاكم إبان المؤتمر الـ 19 للحزب في تشرين الأول (أكتوبر) 2017. وقد تم تبني المقترح دون معارضة تذكر من قبل مجلس الشعب الصيني. وبهذا صار جينبينج هو الرئيس الثاني بعد الزعيم الإصلاحي دينج هسياو بينج منذ وفاة المعلم ماو تسي تونج الذي يحظى بإدراج أفكاره ورؤاه في دستور الدولة والحزب في الصين.
فإذا أضفنا إلى الخطوتين السابقتين، خطوة ثالثة تبنتها السلطات الصينية، وتمثلت في فرض أفكار ورؤى جينبينج على طلبة المدارس ضمن المناهج التعليمية، فإننا نصبح، بما لا يدع مجالا للشك، أمام صين مختلفة تسعى لتكريس زعيمها الحالي إلى مصاف مؤسس النظام الشيوعي المعلم ماو تسي تونج.
وقتها كتبنا أننا نشتم في القرارات الصينية رائحة العودة إلى زمن "ماو"، غير أن بعض الصحف رأت فيما قلناه مبالغة فجة فلم تنشره، بينما رفضت صحف أخرى النشر بحجة أننا نسيء إلى دولة صديقة للعرب!
اليوم يتضح أكثر فأكثر أن للرئيس جينبينج أجندة خاصة يحاول تحقيقها من خلال جمع كل خيوط السلطة في يده، بل يحاول أن يبقى في السلطة طويلا من أجل تحقيق تلك الأجندة، دونما اكتراث بفكرة مبدئية مفادها أن صلاح الأمم وتقدمها لن يتحقق دون ضخ دماء جديدة في السلطة من وقت إلى آخر. ودليلنا هنا أن استمرار "ماو" على قمة السلطة العليا السياسية والحزبية والعسكرية في بكين من الأربعينيات وحتى السبعينيات أفضى إلى تكلس مفاصل الدولة الصينية وحدوث ضمور في جسدها وتخلف على مختلف الصعد. ولم تخرج الصين من حالة الإعاقة والمرض إلا بظهور نخبة جديدة من الساسة والحزبيين الموهوبين من ذوي الأفكار التحديثية، وعلى رأسهم الإصلاحي دينج هسياو بينج الذي شرع، كما هو معروف، في فتح نوافذ بلاده لرياح التغيير وانتهج سياسات خارجية تتسم بالعقلانية بدلا من سياسات التجييش والتحريض. هذا علما بأن هسياو بينج نفسه حذر، إبان توليه قيادة الحزب الشيوعي الصيني بعد وفاة "ماو"، من بناء الدولة على شهرة فرد أو أكثر، واصفا ذلك العمل بالخطير وغير المجدي. وفي السياق نفسه نجد في كتاب عالم الاجتماع السياسي الأمريكي البروفيسور عزرا فوجلEzra Vogel الذي أرخ ووثق حياة هسياو بينج في عام 2011 ما مفاده أن الرجل كان كارها لفكرة "عبادة الشخصية" على نحو ما طبقها ماو، ولهذا شدد على ألا تصنع له تماثيل لوضعها في الميادين العامة أو تعلق له صور جدارية في الساحات أو ترفع صوره في المنازل والمتاجر.
جملة القول، إن هناك اليوم في الصين اتجاهان: الأول يرى أن ما تحقق للرئيس جينبينج من نفوذ وسلطة أمر ضروري تستدعيه التحديات التي تواجهها الصين، بل تفرضها خطط الرئيس المتمثلة في "إحياء الأمة الصينية العظيمة وتحويل الصين إلى دولة قوية" وهو الهدف الذي لن يتحقق ــ كما يقول أصحاب هذا الاتجاه ــ إلا بوجود استقرار طويل المدى في أروقة الدولة والحزب. وهؤلاء لا يتخوفون من احتمال أن تؤدي التغييرات التي أشرنا إليها إلى ظهور ديكتاتورية مشابهة لديكتاتورية "ماو" أو سياسات خرقاء كسياساته، لأن الزمن بحسبهم قد تغير، ناهيك عن قناعتهم بأن جينبينج أذكى من أن ينتهج سياسات "ماو" القمعية، ثم قناعتهم بأن المجتمع الصيني اليوم ليس كما كان زمن "ماو"، ولن يرضى بالعودة إلى الوراء بعد كل المكاسب التي حققها. أما أصحاب الاتجاه الثاني فيتمسكون برأي مفاده أن العودة إلى عصر الزعيم الأوحد وعبادة الشخصية لن تؤدي إلا إلى نتيجة واحدة هي ظهور انقسام في السلطة وتنافس على النفوذ، وبالتالي غياب الاستقرار السياسي اللازم لتحقيق مزيد من النهوض.