رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


خدمتا «شفافية» و«تحقق» عن المحاسبين .. هل انقلبت مفاهيم المهنة؟

قبل أيام دشن وزير التجارة والاستثمار رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين خدمتي "شفافية" و"تحقق"، اللتين أطلقتهما الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين، وتأتي خدمة تقرير "الشفافية" لأصحاب المنشآت لتحصل على معلومات عن مكاتب المحاسبة من حيث مستوى تأهيل منسوبيها وشهاداتهم المهنية وعملائهم والكثير من المعلومات الإضافية المهمة التي ستساعد طالبي الخدمة على اختيار المكتب الملائم لخدمته سواء كانت خدمات مراجعة، أو زكاة وضريبة، أو استشارات محاسبية ومالية. بينما تأتي خدمة "تحقق" لتتيح لأصحاب المنشآت التأكد من هوية ممثل مكتب المحاسبة وذلك عبر إدخال رقم الهوية الخاصة به للحد من منتحلي صفه المحاسبين القانونيين.
ورغم جمالية هذه الخدمة والجهد الذي بذل فيها، لكنني ما زلت أتساءل عن حجم القيمة المضافة التي تقدمها فعلا، فخدمة المراجعة للشركات والمؤسسات تتم من قبل مكاتب مهنية مرخص لها من الهيئة ولا يوجد مراجع يمارس المهنة ما لم يكن له مكتب معروف العنوان ومرخص من وزارة التجارة والاستثمار واجتاز اختبارات المهنية وعليه رقابة الجودة ورقابة من الزملاء في المهنة، وحاصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة كأقل حد. وفوق هذا كله فإن هذه المكاتب تعمل وفقا لمعايير مهنية تقوم على إعدادها مؤسسات دولية والهيئة السعودية اعتمدتها قريبا، المعايير تنص على قضية قبول المراجع للعميل (وليس العكس)، حيث إنه يجب على المراجع بذل جهد وعناية كبيرة جدا قبل قبول العملية أو الشركة، ولهذا وضعت معيارا كاملا لقبول المراجع وتضمنت وجوب قبول الإدارة لشروط (من المراجع) من أهمها تمكين المراجع من الوصول إلى جميع المعلومات التي تدرك الإدارة أنها ذات صلة بإعداد القوائم المالية مثل السجلات والوثائق والأمور الأخرى وكذلك ‌المعلومات الإضافية التي قد يطلبها المراجع من الإدارة لغرض المراجعة، إضافة إلى ‌الوصول إلى أي أشخاص من داخل المنشأة، يرى المراجع ضرورة الحصول منهم على أدلة مراجعة.
لماذا تتطلب المعايير كل هذا من المراجع قبل قبوله العملية، لأن المهنة تراقب نفسها ببساطة وهي دائما "كمهنة" معرضة لمخاطر اقتصادية ضخمة جدا، ودائما نناقش بحدة موضوعات الاستقلال المهني والظاهري والذهني، والمراجع كمهني بذاته معرض لمخاطر قد تنتهي به إلى ما هو أكبر من مجرد تقرير ورأي خاطئ، بل إلى إيقاف ودفع مبالغ ضخمة كتعويضات. واليوم ونحن نقرأ خبر الهيئة السعودية للمحاسبين نتذكر بكل أسى قرار هيئة السوق المالية ضد أحد مكاتب المراجعة بفرض غرامة مالية عليه ومنعه من تقديم أعمال المحاسبة القانونية للأشخاص المرخص لهم أو أي مصدر لأوراق مالية لمدة سنتين، كما تم إصدار عقوبة مماثلة على مراجع قانوني مرخص له.
لماذا تظهر خدمة تحقق وخدمة الشفافية وكأن الصورة مقلوبة، فالشركات التي تتعاقد مع المراجع هي التي تتحقق وهي التي تشترط وقد لا تعرفه ولا تعرف أنه مرخص، وأن المراجعين ومكاتبهم مجهولة ويمكن لأي شخص أن ينتحل شخصية مكتب مراجعة ويقوم بأعمال المراجعة ويوقع على تقاريرها، بلا مسؤولية مهنية ولا مدنية ولا حتى جنائية عليه وعلى الشركة، لماذا علينا أن نتخيل شركة تتورط وتدفع لمراجع يقوم بمراجعة تقاريرها المالية وحساباتها ثم تكتشف أنه غير مرخص له، أو أن من يقومون بالعمل معه غير مؤهلين. إن هذا ببساطة لا يمكن أن يحدث في المهنة، وهو يخالف كل ما تعلمناه في قاعة الدراسة عن استقلال المراجعة ومعيار العناية المهنية الواجبة ومعيار التقرير، فهل انقلبت حقائق المراجعة في المملكة؟ هل انقلبت فلسفتها؟
سأقول لكم حقيقة مرة جدا، لا أحد يحب المراجعة ولو كان بيد إدارة الشركات ما طلبتها، لا أحد يحب أن يخضع لأسئلة وطلبات مراجع الحسابات، بل إن أي مؤسسة تقع في حرج شديد من أن تكشف حساباتها للمراجع، لكن الأسواق المالية والجهات النظامية والمستثمرين والدائنين يطلبون من الشركات تقريرا من مراجع قانوني مستقل أن قوائمها المالية أو إقراراتها الضريبية صحيحة ويمكن الثقة بها، فالشركات والمؤسسات في سبيل موافقة الجهات النظامية والبنوك تبحث عن مراجع يقبل أن يقوم بكتابة تقرير نظيف عن قوائمها المالية وحساباتها وإقراراتها بأقل أتعاب، فإذا قبل المراجع ما وتحمل هذه المسؤولية، فهل تتوقع أن إدارة الشركات ستتحقق من موظفيه، وتسأل عن تأهيلهم أم يكفيها قبل توقيع العقد أن يقدم لها ما يثبت أنه مرخص من الهيئة، ثم يعطيها تقريرا منه ولو لم يقم بزيارتها مرة واحدة، أو أنه أرسل لها غير مؤهلين، أي إدارة هذه التي تبحث خلف متاعبها؟ إذا فمن الذي يجب عليه التحقق من أهلية المراجعين قبل قيامهم بواجباتهم، إنها الهيئة، والهيئة فقط.
إن معاناة المهنيين المراجعين ليست في رغبة الشركات في التحقق من أهليتهم، بل في منعها لهم من ممارسة أعمالهم كما يجب، من التضييق في نطاق العمل، من إخفاء معلومات، فهل تعتقد أن هذا الوضع الذي يعانيه المهنيون في حاجة إلى خدمة مثل "شفافية" و"تحقق". ولهذا أسأل عن الحاجة فعلا إلى مثل هذه التطبيقات، وهل هناك قيمة مضافة فعلا؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي