تركيز الجهود .. البحث العلمي

يجمع الاقتصاديون حول العلاقة المركزية بين الإنتاجية والنمو الاقتصادي من خلال عدة عوامل، لعل أهمها في المديين المتوسط والطويل دور البحث العلمي التطبيقي والإبداع. لذلك تتجه دول كثيرة إلى تأسيس مراكز ومدن تجمع بين عناصر النجاح مثل البنية التحتية والجامعات المميزة وتوافر المال الجريء والمصارف والمحامين المتخصصين وغيرهم من العناصر اللازمة لتهيئة البيئة، لتأسيس حاضنات خاصة في التقنية والمعلوماتية وغيرها. تجربة وادي السيليكون في كاليفورنيا أشعلت سباقا بين كثير من دول العالم لاستنساخ التجربة، خاصة بعد أن استطاعت أمريكا إعادتها في بوسطن وكارولينا الشمالية. لكن النجاح لم يحالف أغلب الدول، بسبب ظرف الصناعات العسكرية ومراكز قليلة عالميا. جاءت في بالي أهمية التجربة بعد ما اطلعت على فيلم قصير عن دور "أرامكو" للمساعدة في إعادة توطين زراعة البن في جازان، وقراءة مقال ريكاردو هسمان لمختص اقتصاديات التنمية في هارفارد ـــ سبق أن كتبت عمودا عنه. لم يتقبل صديق اقتصادي متمكن التفرع لأسباب بدهية من قبل "أرامكو"، ما حفزني للتفكير والربط.
هناك جاذبية خاصة لتأسيس الشركات الصغيرة كعنوان لنجاح العصامي والمبادر والعلاقة بين المعرفة والتقدم الاقتصادي، لكن الحقائق تشير إلى أن أغلب الإبداعات تأتي في الأساس من أبحاث تطبيقية لدى شركات عملاقة. حتى "سشوميتر" Schumpeter في كتابه الأول، ذكر مركزية المبادر، لكن بعد تجربة طويلة في كتابه الثاني الذي اشتهر به أقر بالدور الأساس للشركات الكبيرة في الإبداع. يسوق مثال ATT في أمريكا التي ولدت بعض أهم الإبداعات مستغلة الاحتكار "توافر المال والرغبة في الدفاع عنه" في الاتصالات، حيث برز دور معمل بل Bell Lab في كثير من الإبداعات والاختراعات. بهذه الخلفية ومع اختلاف الظروف جاء في بالي دور محاولتنا تأسيس حضانات ومؤسسة خاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة ومراكز الأبحاث المتخصصة مثل مدينة الملك عبدالعزيز للتقنية ومركز الملك عبدالله للأبحاث البترولية والميزانية الكبيرة والتجربة الطويلة لبعضها ومقارنة ذلك بفرص نجاح الأبحاث التطبيقية والإبداع وتوليد الشركات من خلال أبحاث "أرامكو" و"سابك" و"معادن" والصناعات العسكرية وشركات الكهرباء والاتصالات وتحلية المياه. نظرا إلى محدودية الموارد البشرية والمالية والتجربة والثقافة البعيدة عن الأبحاث النظرية وتكلفة الأجهزة العامة، الأفضل تركيز الجهود في الأبحاث التطبيقية إلى حين.
التجربة التنموية العميقة لا بد أن تكون مستقلة ونابعة من وعي بالظروف الخاصة وتقدير عميق للمقدرات العلمية والفنية والتوجهات الاقتصادية والميزة النسبية والعوائد المالية والحجم والزخم القابل للاستدامة. يصعب أن تحدث اختراقات تقنية تنتقل لإنشاء شركات واعدة من خلال جهود معزولة تعتمد على ميزانية غير مرتبطة بحسابات العوائد المالية والتكلفة الاقتصادية والحالة التجريبية والتطبيقية وثقافة الوظيفة الحكومية. الحال في المملكة مرحليا، وبسبب التكاليف المالية، تتطلب إعادة تنظيم أطر العلاقة بين الحاجة إلى البحث والنمو من ناحية وإدارة الموارد المالية والمادية من ناحية أخرى. احتمال حدوث الاختراق أقرب لدى شركات مؤثرة حجما وعمقا ومقدرات مالية وحاجة عضوية إلى النمو. لا بد من تركيز وتسخير المقدرات المحدودة والتسريع بتحويلها إلى قيمة مضافة اقتصاديا. هناك لبس لدينا بين البحث العلمي وأشكاله من ناحية وبين الإنتاجية والنمو. نحن اليوم أكثر حاجة إلى الإنتاجية من خلال التطبيق. الحال في المملكة مرحليا وبسبب التكاليف المالية تتطلب إعادة تنظيم أطر العلاقة بين الحاجة إلى البحث والنمو من ناحية وإدارة الموارد المالية والمادية من ناحية أخرى.لا بد من تركيز وتسخير المقدرات المحدودة والتسريع بتحويلها إلى قيمة مضافة اقتصاديا. الأفضل أن تكون الأبحاث التطبيقية والشركات المتفرعة من هذه الشركات أحد أهداف مجالس الإدارات، وتتبع حوكمتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي