رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


صناديق تحوطية مقبولة شرعا

فكرة صناديق التحوط تقوم على محاولة جمع الأموال التي تتيح بيع أو شراء أصل مالي، بغرض اقتناص فرص الربح بأسلوب تقل فيه قيود وتدخلات الهيئات المالية المنظمة لأسواق المال. ولذا من المتوقع أن يكون عالي المغامرة أو المخاطرة.
أما من الناحية الشرعية فتقوم المعاملات المالية المقبولة شرعا على ثلاثة مبادئ: تحريم الربا، وتحريم الغرر وتحريم بيع ما لا يملكه الواحد.
تحريم الغرر، أي جهالة المعقود عليه، بحيث لا يدرى أيكون أم لا. وتدقيقا، العبرة ليست في خلو المعاملة من الغرر تماما، فهذا صعب وفيه حرج شديد، ولذا أباحت الشريعة عقودا بها قدر من الغرر، ويمكن ضبط ذلك في إطار ما دعت إليه الحاجة وقل غرره، بحيث يحتمل في العقود. وهذا مذهب الإمام مالك رحمه الله، ويرى الإمام ابن تيمية (في كتابه القواعد النورانية) أن أصول مالك في البيع أجود من أصول غيره لأنه أخذ عن سعيد بن المسيب الذي كان يقال عنه إنه أفقه الناس في البيوع.
سؤال حول ما دعت إليه الحاجة: كيف تحدد ومن يحددها؟ موضوع مرن، وليس بالضرورة أنه فقهي.
أما الثالث ألا يبيع الواحد ما لا يملك، فقد صح النهي عن بيع الإنسان ما ليس عنده. إلا أن أهل العلم (الشرعي) اختلفوا في المقصود، هل النهي يتناول المعين (كبيع بيت بعينه، قبل أن يتملكه) والموصوف غير المعين سواء كان يقدر على تسليمه أم لا، مع استثناء بيع السلم، وهو بيع يعجل فيه الثمن وتؤخر فيه السلعة إلى وقت تسليم معلوم، أم أن النهي يتناول فقط المعين وغير مقدور على تسليمه، أو فيه صعوبة بينة؟ رجح فقهاء معاصرون أن النهي يتناول المعين فقط، أو الموصوف غير المقدور على تسليمه، وهذا ما يراه العلامة الإمام ابن تيمية رحمه الله، قال في رسالة له عن القياس (الفتاوى ج 20)، ويبدو لي أن هذا الرأي أقرب إلى مقاصد الشريعة، والله أعلم.
وفي إطار هذه المبادئ، يجري الحديث بين العلماء والمهتمين بفقه المعاملات المالية الحديثة حول شرعية ممارسات صناديق التحوط hedge funds. وللفائدة صناديق التحوط بدأت في الظهور مع مطلع الخمسينيات من القرن الميلادي الماضي، وأعمالها لا تخضع لرقابة قوية من الحكومات، لأنها ليست موجهة للجمهور، وإنما لعدد محدود مختار من المستثمرين.. وقد نشطت هذه الصناديق نشاطا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، سواء في أسواق الدول الصناعية أم الناهضة، وسواء في الأوراق المالية ذات الدخل الثابت أم في أسواق المشتقات المالية. ولعلنا قرأنا في أكثر من مناسبة اتهام صناديق التحوط بأنها من أهم الأسباب في ارتفاع أسعار النفط في سنوات ماضية عبر المضاربات.
ويسعى مديرون ومسؤولون عن صناديق تحوطية إلى الحصول على اجتهادات فقهية معاصرة تنتهي بسلامة عمل صناديقهم (من ناحية شرعية)، ومن ثم إقناع المسلمين الملتزمين بما استقر عليه الرأي الفقهي بحدود الحرام والحلال.
إلام يستند أولئك المديرون؟ التوسع في تطبيق المبادئ المسموح بها شرعا التي يستخدمها التجار، بصورة تقليد أو محاكاة تأثير البيع قصير الأجل، أو الحصول على تمويل في تجارة الأسهم. وطبعا الهدف تحقيق ربح من جراء انخفاض الأسعار.
أول صناديق تحوطية ترفع دعوى أنها متفقة مع الشريعة بدأت قبل نحو عشر سنوات باستخدام طريقة لشركة السمسرة فيمات fimat، التي تعرف الآن باسم نيوإدج Newedge. وما يزال الإقبال ضعيفا على هذه الصناديق التحوطية، وطبعا يبذل مديرو هذه الصناديق وقتا وجهدا ليس بالهينين في محاولة للبحث عن معالجات وحلول لمسألة أن يبيع الفرد ما لا يملك، وهذا البيع الورقي (أو ما يسميه البعض الصوري) يمثل عنصرا أساسيا في عمليات المتاجرة قصيرة الأجل. وخلاف هذه القضايا، لا بد من التأكد من الأموال التي لا تستثمر في أعمال محرمة لاعتبارات أخرى.
ويرى البعض من المهتمين بما يسمى المصرفية الإسلامية أن من الممكن لصناديق التحوط أن تقبل شرعا إذا حصرت أعمالها بهدف التحوط، وليس المضاربات والمقامرة، لكن يبدو أن تحقيق هذا صعب بالنظر إلى طبيعة عمل صناديق التحوط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي