العلاقة بين التحويلات المالية والتعليم
أغلب التوقعات حول سعر النفط لا تذهب بعيدا عن تنبؤات وكالة الطاقة الدولية بأن السعر سوف يكون 50-70 للبرميل في العقدين القادمين. يصعب توقع الأسعار ولكن الأهم ألا يكون السعر هو عمود الخيمة في السياسات الاقتصادية. إذا كان محور التفكير ماليا وليس اقتصاديا يصبح سعر البرميل أهم من دور المواطن. منطقيا لا يمكن فصل الحالة المالية عن الشأن الاقتصادي. إحدى نقاط التقاطع المالية الاقتصادية تظهر في التحولات المالية للخارج وفي هيكل التعليم العالي وفي سوق العمل. نحتاج إلى تفكيك أنماط العلاقات كي نجد الحلول.
أنطلق من عدة اعتبارات هيكلية أولها أن كل الدول الناجحة أو الجادة في التنمية يشكل طلاب الجامعات فيها نحو 40 في المائة، بينما لدينا وصل إلى أكثر من 90 في المائة أحيانا. ولذلك هناك ظاهرة المباهاة بالأرقام العالية خاصة في الجامعات الجديدة وبالمقابل هناك نحو مليوني وظيفة يشغلها وافدون دون الحاجة إلى تعليم جامعي خاصة حين يكون ضعيفا. هذه الوظائف تعود لوافدين يحولون مبالغ ليست قليلة بينما لو دفعت لمواطنين خاصة بمستوى الأجور المتوقعة غالبا سوف تصرف داخليا. كثير من هؤلاء الطلاب ليست لديهم القدرة على تعليم جامعي عالمي منافس بحكم التوزيع الطبيعي، بل إن وجودهم في الجامعة يجر البقية إلى الحد الأدنى وبذلك يصبح التعليم العالي في مجمله تحت المستوى المطلوب، وهذا لم يعد يخفى على أحد. وأحد شواهده ضعف النخبة التكنوقراطية في مواجهة التحديات الاقتصادية.
مواجهة التحدي تتطلب نوعين من الحلول بعضها كلي الطابع مثل معالجة العرض (الحد من طلاب الجامعات) والطلب (الحد من الوافدين) وبعضها جزئي. الكلي أصبح معروفا خاصة في معادلة الطلب خاصة أن هناك حلولا تحت التجربة الآن. معادلة العرض محل إشكالية إذ إن الأغلبية لا تزال أسيرة نماذج واردة من دول عربية لم تنجح في مسيرتها التنموية والاقتصادية. تستطيع الحلول الجزئية تفكيك الكلي، فمثلا أغلب محطات الوقود عادة تدار من شباب يتطلع إلى وظيفة أعلى لاحقا ولكنها لا تقوم بهذا الدور عندنا بسبب أن هامش الربح ليس عاليا ليسمح بتوظيف المواطن، ولذلك الأحرى أن ترفع شركة أرامكو الهامش بخمس هللات أو أكثر قليلا بشرط توظيف المواطن فقط. حل جزئي آخر أن نمنح شهادة البكالوريوس لجميع المهن التي نحتاج إليها ولو لعدة سنوات مثل الكهرباء والسياحة والحدادة والحلاقة والطباخة والنجارة، إذ إنه واضح أن هذه المهن أهم بكثير من خريجي دراسات اجتماعية وإنسانية ضعيفي المستوى. مثال جزئي آخر أن نختار مدينتين ولتكن الباحة وحائل ونمنع الوافدين من العمل فيهما لمدة سنتين أو ثلاث ثم نقيم التجربة.
العلاقة وثيقة بين توظيف المواطن وتنمية قدراته والتحويلات المالية وسلامة الجسم الاقتصادي، نحتاج إلى تفكير جديد بعد أن ثبت أن هناك عجزا أحيانا، أحد دروس التجارب التنموية في الدول تشير إلى أهمية التجارب الجزئية ولكن هذه تتطلب درجة من الثقة بالنفس والاستقلال الفكري بعيدا عن أنماط مستعارة تبدو براقة ويدافع عنها أنصاف المتعلمين ولكنها غير واقعية، نحتاج إلى قدر من المرونة الذهنية والشجاعة للتجريب والمحاولة أكثر من مرة إلى أن نجد الأفضل لنا، الأمل كبير خاصة بعد تجسيد الرؤية والحملة ضد الفساد.