إفريقيا .. قارة الانقلابات
تعيش جمهورية زيمبابوي منذ ليلة الأربعاء الماضي على وقع انقلاب عسكري، بعد التحرك العسكري للجيش بقيادة الجنرال سيبوسيوي مويو، والسيطرة على مقر الإذاعة والتلفزيون الوطني، وتأمين جميع المنشآت الحكومية، ووضع أكبر رئيس في القارة السمراء روبرت موغابي (93 سنة) تحت الإقامة الجبرية؛ 7 سنوات في رئاسة الوزراء، و30 سنة في رئاسة البلاد.
يبدو أن نهاية حقبة آخر ديكتاتور في إفريقيا عن الحقبة الاستعمارية؛ الذي يحكم زيمبابوي منذ استقلالها قبل 37 عاما قد اقتربت، بسبب لعبة قذرة انخرط فيها الرجل في السنوات الأخيرة؛ بغرض نقل الحكم إلى زوجته التي تدير البلاد فعليا خلف الكواليس، وكان آخر فصولها تنحية نائب الرئيس من منصبه قبل أيام، ما دفع الجيش إلى التحرك لإفشال الخطة، ووضع حد لحكم آل موغابي في روديسيا الجنوبية كما تُعرف تاريخيا.
تثير تطورات الأحداث لدى أبناء القارة السمراء تخوفات من عودة الانقلابات العسكرية إلى الواجهة مجددا، بعد انحصار وتراجع الديمقراطية عالميا، بل والارتداد عن القيم الديمقراطية أحيانا، في بلدان تعد مهد نشأة هذا الفكر في سياق الدولة الحديثة.
إفريقيا.. قارة الانقلابات
شهدت القارة الإفريقية أكثر من 186 انقلابا عسكريا، منذ حصول أغلب دولها على الاستقلال في بداية الستينيات. بلغة الأرقام دائما، نشير إلى أن في الفترة ما بين منتصف الستينيات والسبعينيات (1966 - 1976)، سجلت أكثر من 100 محاولة عسكرية للانقلاب ما بين الفاشلة والناجحة.
وبلغت الانقلابات في بعض الدول خمس إلى ستة انقلابات مثلما حدث في كل من نيجيريا وأوغندا وغانا وبوركينا فاسوا والبينين وموريتانيا. وفي المقابل، شهدت 13 دولة انقلابا عسكريا واحدا فقط.
تشير دراسة أجراها معهد الأبحاث الدولية التابع لجامعة هيدلبيرج الألمانية حول الانقلابات بهذه القارة إلى تراجع معدلاتها، من متوسط قدره 20 انقلابا كل عام في حقبة ما بعد الاستقلال إلى أواسط الثمانينيات (1985-1960) إلى أقل من خمسة انقلابات فقط في المتوسط منذ الألفية.
وجب التميز هنا بين نوعين من الانقلابات من حيث الأصول؛ أي النشأة، أما الغايات فتتوحد في الاستيلاء على الحكم. ونقصد أن بعض زعماء الانقلاب ممن وصلوا إلى سدة الحكم في بلدانهم، ينحدرون من مؤسسات عسكرية لها جيش نظامي (ليبيا، الجزائر، السودان، الصومال، الكونغو الديمقراطية...)، فيما تمكن آخرون من السلطة بفضل انتمائهم لحركات تمرد مسلحة، كانوا يتزعمونها أو يشاركون فيها انطلاقا من الأدغال الإفريقية (إثيوبيا، إريتريا...).
انقلابات الألفية الثالثة
فرض تطور بنية المؤسسة العسكرية في إفريقيا مع بداية الألفية الثالثة، ظهور جيل جديد من الانقلابات العسكرية في القارة، لا يكون طموح زعمائها هو بلوع السلطة بقدر ما تقدم نفسها كجيوش وطنية حامية للبلاد ومؤسساته. نجح هذا الصنف الجديد من الانقلابات في وضع حد لأنظمة ديكتاتورية تستغل الإثنية والقبلية والفقر والجهل والصراع داخل المجتمعات الإفريقية
كمرتكزات داخلية للبقاء، إلى جانب الاحتماء بالسند والدعم الأجنبي؛ من خلال حماية مصالح قوى إقليمية أو دولية، قصد الاستمرار في الحكم.
يعد الانقلاب العسكري السلمي الذي شهدته موريتانيا في 3 آب (أغسطس) 2005، بقيادة القائد العسكري علي ولد محمد فال للإطاحة بحكم الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع في أعقاب أزمات سياسية كبيرة بالبلاد، مثالا على هذه الانقلاب. إذ تولى قائد الانقلاب السلطة في البلاد، مع وعد بتسليمها لرئيس منتخب. وقد حدث ذلك فعليا في 19 نيسان (أبريل) 2007؛ بعدما فاز محمد ولد الشيخ عبد الله بالانتخابات الرئاسية، فيما اعتزل قائد الانقلاب الحياة السياسية مؤقتا.
تجربة مماثلة في غينيا؛ بتاريخ 24 كانون الأول (ديسمبر) 2008، إذ بعد وفاة الرئيس لانسانا كونتيه قام المجلس الوطني للديمقراطية والتنمية، بزعامة موسى داديس كامارا بالسيطرة على السلطة في البلاد. وأعلن أن سيتولى قيادة البلاد خلال فترة انتقالية، مدتها عامين بعدها تتم الانتخابات الرئاسية. وعمليا التزم العسكريون بتسليم السلطة للرئيس المنتخب ألفا كونديه الفائز بالانتخابات عام 2010.
الاتحاد الإفريقي: لا شرعية للانقلاب
أدرك الزعماء الأفارقة أن لعبة الاستقواء بالخارج توشك على الانتهاء بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ما دفعهم إلى اعتماد موقف موحد رافض للانقلابات العسكرية التي تهدد مواقعهم في السلطة. وبذلك تعهد أزيد من 40 رئيسا إفريقيا في القمة التي استضافتها الجزائر في تموز (يوليو) 1999، بإنزال أقصى العقوبات على الانقلابين حتى تضع حدا لمطامع العسكر في السلطة.
من المفارقات الغريبة في هذه القمة، أن أكثر من ثلث الرؤساء الذين اتخذوا هذا القرار التاريخي، وصلوا إلى السلطة بفضل انقلابات عسكرية، قامت بها جيوش نظامية أو حركات تمرد مسلحة.
وزاد من رفض هذه الانقلابات داخل القارة السمراء، إعلان الاتحاد الإفريقي أنه لن يعترف بأي حكومة تصل إلى الحكم عبر انقلاب عسكري. وقع على عاتقه مسؤولية الحد من هذه الظاهرة، التي يقع إجماع على أنها تربك خطى قارة تتلمس طريقها نحو المستقبل.
يعمل هذا الاتحاد الذي يضم أكثر من 50 دولة جاهدا على محاصرة هذه الظاهرة التي تنتعش في إفريقيا بعدما أفل نجمها في باقي القارات، وفرض القطيعة مع هذه الممارسات. كما كان الشأن حين غيّر الاتحاد مكان قمته من مدغشقر إلى ليبيا في عام 2009، بعد الانقلاب العسكري الذي حدث هناك في 17 آذار (مارس)؛ ما أدى إلى تعليق عضويتها في الاتحاد بعدما أعلن أندريه راجولينا نفسه رئيسا للسلطة الانتقالية في البلاد، وسط إدانة واسعة للمجتمع الدولي لهذا الانقلاب، مع وقف للدعم المالي والاستثمارات لتسقط البلاد في براثن واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها.
أدت هذه الضغوط إلى إشراف الاتحاد الإفريقي على عملية إعادة الوضع السياسي في مدغشقر لوضعه الطبيعي، بعد رعايته لانتخابات رئاسية لنقل السلطة، وذلك في أعقاب موافقة الشعب على دستور جديد للبلاد عام 2010.
السيناريو نفسه تكرر في انقلاب غينيا وموريتانيا، فلا شرعية ولا اعتراف بأي سلطة عسكرية في القارة السمراء. ربما يكون قائد الجيش في زيمبابوي واعيا بهذه الحقيقة من خلال تأكيده؛ في البيان العسكري المتلفز، على أن المؤسسة العسكرية لا تقود انقلابا عسكريا، وستعود إلى وضعها الطبيعي حالما تنجز مهمتها. وأي وضع طبيعي يكون في دولة غير طبيعية، لا يتغير موقعها في ذيل قائمة تقارير المؤسسات الدولية، وخير دليل على هذا مؤشر متوسط أمد الحياة الذي لا يتعدى 40 سنة.