رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الاقتصاد السلوكي .. جائزة نوبل

فاز رشارد ثيلر أستاذ الاقتصاد في جامعة شيكاغو بجائزة نوبل للاقتصاد لهذا العام مقابل إسهاماته الفكرية في الاقتصاد السلوكي ما ذكرني بعرضي لكتابه Nudge قبل نحو ثلاث سنوات، تعني الكلمة طبقا للقاموس "وكزه" - الدفع بالتحول في التصرف من خلال تغيير الخيارات المتاحة بعين على عقلانية في المدى البعيد- المعنى الجوهري هو تحويل وتسخير التصرفات والسلوكيات الفردية من العاطفية إلى العقلانية كي تكون في انسجام مع المصلحة الاقتصادية. الاقتصاد السلوكي هو محاولة توظيف أدوات ونتائج علم النفس لتحوير مجمل التصرفات الاقتصادية والمالية لتكون أكثر مواءمة مع كل ما هو اقتصادي. كثير من الناس لا يتصرفون عقلانيا، بينما النظريات مبنية على أن الإنسان يتصرف عقلانيا خاصة في النواحي الاقتصادية. هذا الفرع من الاقتصاد بدأ يدخل في عملية صنع القرار في عديد من الدول، فأسست الحكومة البريطانية فريقا "لتغيير وتسخير السلوكيات" خصص لاحقا لكي يبيع خدماته للشركات الخاصة والدول الأخرى. وعملت أمريكا على النظر في التوجهات نفسها وغيرها. كثير من ملاحظات الاقتصاد السلوكي بدأ في ميدان التجارب النفسية على أنماط التصرفات، فمثلا أثبتت التجارب أن الناس لديهم في الغالب حساسية أكثر نحو تفادي الخسارة من السعي للربح، فليس هناك تماثل منطقي في التصرف نحو الربح والخسارة. أغلب الناس لا يستطيع تقديم التوفير للمستقبل البعيد حتى بعد شرح المخاطر المترتبة على ذلك. لكل منا تجارب وملاحظات على الرضوخ للحالة النفعية على حساب العقلانية والمدى البعيد.
لم أجد دراسات أو أبحاثا في هذا الخصوص عن المملكة في تقصير واضح للربط بين الأكاديميات والممارسة. المحركات النفسية للبشر واحدة ولكن للبيئة العامة دور مركزي في تغليب أنماط معينة من التصرفات في ظروف معينة. ولذلك بعد فترة فكرت في الموضوع من زاوية أوسع - الربط بين الاقتصاد الريعي وأنماط التصرفات تجعل اقتصادنا حقل تجارب للاقتصاد السلوكي، ولذلك من المفترض أن يكون هناك دور كلي وجزئي للاقتصاد السلوكي في السياسات العامة. الاقتصاد الريعي ذو طابع تصرفات واحد في خلاف مع اقتصاد يقوده الإنتاجية والمنافسة. لم نعط الرسائل التي تصل الفعاليات الاقتصادية "الأفراد والشركات" حقها من التمحيص والتحوير بغرض تغيير التصرفات الاقتصادية، فمثلا هناك رسالة أن الحكومة هي الموظف الأخير لأغلب الناس بينما نسعى للتوظيف في القطاع الخاص وأحيانا الرسالة لا تحمل معنى ماديا مباشرا ولكن تتضمن استحقاقات اقتصادية، فمثلا نركز على الحديث عن البطالة، ولكن لا نركز على نسبة المشاركة من السكان في سوق العمل، الأول في غالبه يتضمن حماية ودعما، والثاني يتضمن في غالبه تفكيرا اقتصاديا. أحد أوجه النقاش الاقتصادي اليوم يدور حول المفاضلة غير الواضحة بين التقشف والنمو الاقتصادي بما يحمل من رسائل مختلفة. ونتحدث عن أهمية التعليم الفني ثم نسمح للجامعات بقبول أكبر عدد ممكن من غير المؤهلين. منظومة التصرفات في الاقتصاد الريعي مع الوقت تصبح ثقافة تشجع على الرياء وتوظيف المناورات على حساب المعرفة والاستقامة، وهذه أم المعارك في الاقتصاد السلوكي الخاص بصبغة ريعية.
هناك زاوية أخرى للاقتصاد السلوكي في مجتمعنا لم تدرس أيضا. حيث يغلب على العربي الرغبة في التجارة وهذه أيضا تتضمن أنماط تصرفات منطقية ولكنها قصيرة الأجل من ناحية وفردية النزعة على حساب العمل الجمعي. هناك استحقاقات مهمة، فالتجارة لا تتطلب تعليما عميقا وأحيانا لا تتطلب تفكيرا طويل الأجل، النجاح فيها فردي وليس جماعيا، ولذلك لعل بعض تصرفات نحو الحصول على الشهادات العلمية دون محتوى علمي موثق يصب في المتاجرة حتى بالتعليم بواسطة الشهادة. هذه المساحة من أنماط التصرفات تحتاج إلى مراكز فكرية وبحثية في الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع وعلم النفس والاقتصاد، ومحاولة الربط بينها من ناحية والشجاعة في محاولة تقدير المرحلة التنموية وتفهم أبعاد التصرفات البشرية من ناحية أخرى. لذلك علينا التعمق الحثيث والمراهنة على المدى البعيد.
الاقتصاد السلوكي كما يطرح في الغرب مفيد للجميع وممكن أن تجد الجامعات والمراكز الفكرية والبحثية لدينا فرصا هنا وهناك "لوكز" الناس للتغيير في تصرفاتهم ولكن تعظيم الاستفادة من الاقتصاد السلوكي لدينا يأتي في ميدان الثقافة الكلية وبالتالي أقرب للاقتصاد الكلي منها لتصرفات الأفراد الخاصة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي