عالم صناعة الغاز «5»
عود على بدء، بعد أن تناولت في المقالات الأربع السابقة تعريف الغاز الطبيعي وطبيعة مكامنه، ومراحل صناعته من فصل وتسييل. أتبعت ذلك بطرق تصديره وفقا للظروف الجغرافية والجيوسياسية، مرورا باستخداماته المتعددة. وختمت مقالي السابق بلمحة عامة عن الاحتياطي العالمي المؤكد من الغاز الطبيعي وأكبر الدول من حيث الاحتياطي والإنتاج. أختم هذه السلسة بصناعة الغاز في المملكة ومستقبلها وفق الرؤية الطموحة "رؤية السعودية 2030".
يعد الغاز الطبيعي إحدى الثروات الطبيعية التي حبا الله بها المملكة إضافة إلى النفط والمعادن وغيرهما. نظرا للنمو السكاني والصناعي المطرد في المملكة فلا مناص من مواكبة هذا النمو بتأمين مصادر الطاقة وديمومتها على المديين المتوسط والبعيد. كل ذلك من أجل أن تستمر مسيرة البناء والنهضة الصناعية والخدمية بلا عقبات تكبح جماحها. ولأن الغاز الطبيعي مصدر مهم للطاقة إذا لم يكن الأهم في المرحلة القادمة، كان من أحد أركان "رؤية السعودية" ومحل اهتمامها.
تتوجه المملكة لزيادة الاستثمار الداخلي والخارجي لاستخراج الغاز الطبيعي وتسييله، بل وتتطلع لأن تكون أحد منتجي الغاز الصخري بحلول عام 2020، حيث ستستثمر نحو سبعة مليارات دولار أمريكي لهذا الغرض. يعتقد البعض أن الهدف من هذا الاستثمار الضخم هو التصدير، وأن يصبح الغاز الطبيعي أحد مصادر الدخل للملكة وهذا غير صحيح. الحقيقة أنها تهدف إلى استغلال هذه الثروة من الغاز للاستهلاك المحلي، ولتلبية حاجاتها المتزايدة من الطاقة بما في ذلك توليد الكهرباء وتحلية المياه، وأيضا تطوير صناعتها المتنامية من المعادن.
هذا التوجه الحكومي القوي لتطوير هذا القطاع الحيوي ليس وليد اللحظة، فقد قال وزير النفط السابق علي النعيمي عام 2014 إن المملكة ستضاعف إنتاجها من الغاز الطبيعي بحلول عام 2030، لكنها تخطط للاحتفاظ به في الداخل لتغذية النمو المحلي. وهذا ما أكد عليه خلفه الوزير خالد الفالح في أكثر من تصريح ونصت عليه "الرؤية" الواعدة التي أرسى قواعدها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ووفقه لما فيه خير البلاد والعباد.
من أحد الأبعاد المهمة لهذا التوجه الذي لا يمكن إغفاله، هو الانعكاس الإيجابي على القيمة السوقية لأرامكو السعودية. حيث تشير بعض الدراسات إلى أن الطلب العالمي على الغاز سيرتفع نحو 50 في المائة بحلول عام 2040. أحد الأبعاد المهمة أيضا لهذا التوجه هو تخفيض استهلاك النفط الخام في توليد الطاقة وهو هدف رئيس من أهداف "الرؤية" سيطيل عمر ثروة النفط بإذن الله. أضف إلى ذلك الدور المحوري والمهم للغاز الطبيعي في قطاع صناعة البتروكيماويات الذي تراهن عليه السعودية في رؤيتها لزيادة صادراتها غير النفطية.
ختاما لهذا المقال وهذه السلسلة التي سلطت الضوء على عالم صناعة الغاز، أتمنى أن أكون قد وفقت في تقديم مادة تثقيفية سلسة عن هذه الصناعة المهمة التي أعتقد أنها لا تقل أهمية عن صناعة النفط، وستكون إحدى الركائز المهمة والأساسية في التطور الصناعي ورفع نسبة الصادرات غير النفطية من خلال بوابة الصناعات البتروكيماوية.