السيارات الكهربائية لن تشكل تهديدا للطلب العالمي على النفط
لن يرتفع استخدام السيارات الكهربائية لأن البطاريات أصبحت أرخص ثمناً. ولن يكون هناك انتشار لها على نطاق واسع بوتيرة مماثلة للهواتف النقالة. ولن تقلد جميع دول العالم سياسة النرويج. التهديد من السيارات الكهربائية مبالغ فيه.
ومن النتائج الرئيسة الأخرى التي توصلت إليها التوقعات السنوية لسوق النفط الطويل الأجل حتى عام 2040 الصادرة عن مركز حقائق الطاقة العالمية FGE، أنه في الوقت الذي ستحقق فيه السيارات الكهربائية حصة أكبر في السوق، فإن نموها سيتباطأ، كما أن ظهورها لن يعرقل نمو الطلب العالمي على النفط على مدى العقود المقبلة. في عام 2040، ما زال المركز الاستشاري يتوقع أن 60 في المائة من الأسطول العالمي للمركبات الخفيفة - الذي بحلول ذلك الوقت سيصل إلى 1.8 مليار مركبة - ستعمل بالبنزين. في حين أنه في الوقت الحاضر 80 في المائة من أسطول المركبات الخفيفة البالغ 1.1 مليار يعمل بالبنزين. نعم المزيد من المركبات الكهربائية والهجينة ستكون على الطريق بحلول ذلك الوقت، ولكنها ستمثل أقل من ثلث الأسطول (29 في المائة) حسب الدراسة.
لذلك النظرة الواقعية لمستقبل النقل البري يجب أن تتخذ نهجا شاملا. نجاح التحول إلى السيارات الكهربائية سيعتمد على مجموعة من العوامل، ولن يتم التحول إلا إذا أسهمت جميع الجوانب الداعمة بالقدر نفسه. فعلى سبيل المثال، تعتبر الحوافز والإعانات الحكومية أمرا حيويا لكهربة قطاع النقل البري على نطاق واسع. في جميع الأسواق التي وصلت فيها السيارات الكهربائية إلى أرقام مبيعات كبيرة، كانت الإعانات الكبيرة، أو لا تزال، بالغة الأهمية. في معظم الحالات، تؤدي إزالة هذه الإعانات إلى انخفاض كبير في مبيعات المركبات الكهربائية.
بلدان مثل النرويج، أقنع الدعم عديدا من المستهلكين فيها بشراء المركبات الكهربائية كسيارات ثانية، لكن هذا النموذج لا يكاد يكون مناسبا للمناطق الأقل تطورا في العالم، التي ستشهد تشغيل أعداد كبيرة من السيارات على مدى العقود المقبلة. حتى الصين، مهد سياسة كهربة السيارات، تكافح اليوم من أجل الحفاظ على إعاناتها.
لقد انخفضت أسعار البطارية بشكل كبير على مدى العقد الماضي، مع زيادة موازية في كثافة طاقة البطارية. لكن الشركات المصنعة لم تصل بعد إلى مستويات مناسبة للإنتاج على نطاق كبير، ولا يزالون لا يستطيعون التنافس على الأسعار والمدى مع سيارات البنزين والديزل. وهذا عامل حاسم في غياب البنية التحتية للشحن على نطاق واسع في معظم أنحاء العالم. ويمكن أن يتغير ذلك - ولكن ليس وشيكا. في هذا الجانب، يتوقع المركز ألا تتحقق الظروف المواتية إلا في عام 2030 تقريبا.
قوى السوق الأخرى تتحرك ضد المركبات الكهربائية أيضا. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، كانت حصة سيارات الدفع الرباعي للمبيعات الجديدة في عام 2016، 60 في المائة، في الصين 36 في المائة؛ ونحو 25 في المائة في أوروبا والهند. كما أن انخفاض أسعار النفط سيدعم هذا الاتجاه على المدى المتوسط. ويعتبر هذا أمرا مهما لمستقبل السيارات الكهربائية، لأنه يعني أن الناس يقبلون على شراء سيارات الدفع الرباعي مرة أخرى. وبالتالي فإن التحسن البطيء نسبيا في كثافة طاقة البطارية سيظل مشكلة فنية يصعب التغلب عليها، حيث إنه كلما كانت السيارة أثقل، سيكون من الصعب زيادة مداها باستخدام البطاريات. حزم بطاريات أكبر، الذي يستخدم اليوم لزيادة مدى السيارات الكهربائية، ليس حلا مستداما، لأنه يزيد من وزن السيارة وبالتالي الحد من المسافة.
وعلاوة على القيود التقنية، هناك مشكلة القدرة الإنتاجية - وهي الرياح المعاكسة لكل من البطاريات والمركبات الكهربائية معا. باعت أكبر أربع شركات لصناعة السيارات في العالم نحو 40 مليون سيارة في عام 2016، ولكن فقط 0.5 مليون من السيارات المباعة عالمياً كانت كهربائية. وكانت مبيعات السيارات الكهربائية بأسعار معقولة من قبل «نيسان»، «رينو» «ميتسوبيشي»، نحو 100 ألف في العام الماضي. وكان ذلك أقل من 1 في المائة من إجمالي المبيعات.
ومع بيع مزيد من السيارات، ستكون قيود القدرة الإنتاجية أكثر إلحاحا. في السيناريو الأساسي يتوقع مركز حقائق الطاقة العالمية أن تصل مبيعات السيارات الكهربائية في العالم إلى 37 مليونا في عام 2040، وهو ما يمثل 26 في المائة من إجمالي مبيعات المركبات الخفيفة. على افتراض متوسط قدرة بطارية 60 كيلوواط ـ ساعة، حتى هذه الحصة السوقية المتواضعة ستحتاج إلى طاقة إنتاج بطاريات بنحو 2.2 تيراواط ـ ساعة سنويا، – أي 64 مرة أكبر من قدرة مصنع تسلا. ويجب أن نضع في اعتبارنا أيضا، أن البطاريات لا تستخدم فقط للسيارات، التي تمثل فقط ربع الاستخدام العالمي لبطاريات الليثيوم. لذلك ستواجه السيارات الكهربائية منافسة قوية من قبل الصناعات الأخرى.
ويرى المركز أن المركبات الكهربائية ستكون مهمة في الأسواق المتخصصة مثل كاليفورنيا، التي بيع فيها نصف عدد المركبات الكهربائية التي بيعت في الولايات المتحدة مجتمعة على مدى السنوات الخمس الماضية، أو في الأسواق المدعومة بشدة مثل النرويج.
ولكن حتى مع الافتراضات الأكثر تفاؤلا لكل من العوامل المذكورة أعلاه، فإنه من الصعب أن نرى تحولا سريعا إلى كهربة السيارات على الصعيد العالمي. إذا اتبعت البلدان النامية نمط الغرب من حيث عدد السيارات، فإن الطلب على البنزين سينمو بشكل كبير. في هذا الجانب، يتوقع المركز أن ينمو أسطول المركبات الخفيفة في آسيا بنحو 0.5 مليار سيارة بين عامي 2015 و 2040، وهذا يعادل تقريباَ ضعف عدد المركبات التي ستباع في باقي العالم في تلك الفترة. وبحلول عام 2040، سيكون نصف مركبات العالم تقريبا على الطرق الآسيوية. ويضيف المركز، أنه إذا كان عدد السيارات في الصين على مدى العقود القادمة يتبع النمط الأمريكي، فهذا من شأنه أن يضيف نحو تسعة ملايين برميل يوميا للطلب العالمي على البنزين بحلول عام 2040، حتى لو كان العدد 130 مليون مركبة كهربائية على الطريق في الوقت نفسه.