تساؤل حول الأمن الغذائي
حين يقترن الأمن بالغذاء لا بد أن ترتفع وتيرة العواطف واليقظة، فالأمن وحده يشغل الجميع وإذا اقترن بالغذاء فلن يستطيع أحد التساؤل وكأن الموضوع حسم ولم يبق إلا أن نأخذ بسياسات وقرارات آنية. نظرا لطبيعة المملكة الصحراوية وتنامي الاستهلاك والإسراف تأخذ مسألة الأمن الغذائي درجة أعلى من التفاعل والانفعال. أعتقد أن أغلب ما يدور من نقاش يدخل تحت دائرة الانفعال وما أسوأ القرارات التي تتخذ في حالة انفعالية. التعبير عن الحالة الانفعالية قد يأخذ أشكالا كثيرة ولكن أكثرها رواجا هو استثمار الحكومة المباشر في عدة دول واعدة زراعيا ومن ثم تصدير المحاصيل الزراعية للمملكة، خاصة أثناء الأزمات. هناك عدة إشكاليات في هذا الطرح ولكن في نظري أهمها أنه أثناء "الأزمات" لا نعرف كيف ستتصرف هذه الدول عدا أن هناك مخاطر حتى في غير أوقات الأزمات.
ليس هناك أزمة غذاء، إذ لم يكن هناك أزمة اقتصادية في المقام الأول، لذلك فإن أكبر تهديد يواجه أي بلد مثل المملكة غذائيا هو مدى الكفاءة والفعالية الاقتصادية. هناك مصادر جزئية أخرى للتهديد منها قد لا يكون لها دور في الأزمة المفترضة بمفردها ولكنها مجتمعة قد تشكل أزمة أو على الأقل تقربنا للأزمة. فمثلا سياسات التخزين والتوزيع والتسعير وكسر الاحتكارات، كما حدث مع تجار الأرز قبل عدة أشهر، والعادات، وحالة الوعي العام، والهجرة الاقتصادية للمملكة.
هناك تلاق بين النقطة الرئيسة الأولى والمسببات الجزئية في السيطرة على تكلفة الفاتورة الغذائية. فهذه معادلة الطلب ولكن أيضا هناك فرص لزيادة العرض في المملكة. على الرغم من الحالة الصحراوية إلا أن هناك أجزاء ليست صغيرة في المملكة ممكن تسخيرها لزراعة أكثر فعالية. لست خبير ماء ولا زراعيا، ولكن هناك تطورات علمية في زراعة المحاصيل والتحكم في توظيف المياه بالري الحديث المركز. وهناك أيضا تقنيات لم نأخذ بها.
وأرى أن هناك مخاطر من استثمار الحكومة المباشر في بعض الدول مهما بدت الأمور مقنعة في فترات معينة، فالدول والأنظمة تتغير، كما أن للزراعة استحقاقات اجتماعية وسياسية معقدة في كل بلد. كما أن المحاصيل الزراعية ليست محتكرة بدرجة تجعل الاستيراد غير ممكن إذا توافر المال ولذلك ذكرت أن الكفاءة والفعالية الاقتصادية هي مصدر الأمان الأساس. كما أن الاستثمار الزراعي في بعض هذه الدول قد يكون عائقا إذا حدث اختلاف معهم في نواح أخرى فتكون هذه الاستثمارات مصدر إزعاج آخر. هنا لا بد من التفريق بين ما قد تقوم به الحكومة وبين ما تقوم به شركات خاصة مثل المراعي والراجحي وغيرهما.
حريا بنا أن نتنبه إلى سلبيات الاستثمار الزراعي في الخارج، خاصة أنه كان للمملكة تجارب ليست سعيدة في هذا الشأن.
أخيرا نحتاج إلى كل الأموال للاستثمارات الداخلية فقط في السنوات العشر المقبلة على الأقل.