قناة الجزيرة .. ترضخ للنفوذ الفارسي وتشطب عروبة الخليج

ضمن سلسلة القرارات الخاطئة والمتوترة التي اتخذتها حكومة قطر أخيرا القرار الذي اتخذته بشطب صفة العروبة عن خليجنا العربي وبثته عبر قناتها «الجزيرة».
هذا القرار اتخذته الحكومة القطرية إرضاء للحليف الفارسي الإيراني الذي أخذ يفرض على الحكومة القطرية الضعيفة مجموعة من الأوامر والتعليمات حتى يخرجها من محيطيها الخليجي والعربي.
والمؤسف أن المأزق الذي وضعت الحكومة القطرية نفسها فيه جعلها ترضخ لكل أوامر الفرس، ونسيت الحكومة القطرية أن التاريخ الصادق الشفاف لا يكذب ولا يتجمل، ويؤكد أن الخليج العربي ــ بالجغرافيا والتاريخ ــ هو عربي الأصول والفروع.
وإذا كان مجلس التعاون الخليجي هو المعني بحماية قراراته التي سبق أن اتخذها مرارا وتكرارا بتثبيت صفة العروبة في خليجنا العربي، فإن جامعة الدول العربية يجب أن تتخذ خطوات عملية إزاء محاسبة الحكومة القطرية التي اتخذت قرارا يتعارض تماما مع القرارات التي سبق أن اتخذتها الجامعة ــ بما فيها قطر ــ وأكدت أن الخليج العربي هو عربي من الوريد إلى الوريد.
نحن هنا نطالب المنظمتين الإقليميتين الدوليتين مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية بعقد اجتماع وزاري طارئ لمناقشة موقف حكومة قطر المسيء والمخالف للإجماع الخليجي والعربي.
إن الخلاف بين دول الخليج وإيران حول مسمى الخليج العربي والخليج الفارسي خلاف أسطوري، فحينما كانت بريطانيا العظمى تحكم سيطرتها على منطقة الخليج أومأت للعرب بأن الخليج عربي وليس فارسيا، وفي الوقت نفسه أبلغت الجانب الإيراني أن الخليج فارسي وليس عربيا!
ومن مركز القوة العسكرية الغاشمة اتجه شاه إيران إلى المنظمات الدولية واستطاع أن يرسخ اسم الخليج الفارسي بدلا من الخليج العربي. الأكثر من هذا أن الشاه هدد دول الخليج الست بإعلان الحرب إذا أطلقت على مجلس التعاون لدول الخليج اسم الخليج العربي.
ويومذاك فضل الخليجيون تجنب الصدام مع جحافل القوة العسكرية الإيرانية الغاشمة وأطلقوا اسم مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أي أن صفة العربية تعود إلى الدول العربية وليس إلى الخليج.
إن الأجواء السياسية والدولية مناسبة جدا للتحرك الدبلوماسي باتجاه تصحيح اسم خليجنا العربي لدى كل المنظمات الدولية وكل دول العالم.
لقد استخدمت الحكومة الإيرانية أخيرا أساليب استفزازية متعددة لتوقيع العقوبات على كل من يستخدم مصطلح "الخليج العربي" بدلا من "الخليج الفارسي"، ولقد نالت شركات الطيران الأجنبية والسياح الذين يزورون إيران نصيبا من عقوبات مذلة نتيجة استخدام مصطلح الخليج العربي.
وما نود أن نوضحه أن كثيرا من المصادر العلمية تؤكد أن القبائل التي استوطنت شواطئ الخليج العربي الجنوبية والشرقية كلها كانت قبائل عربية، وترتب على ذلك أن الأسماء التي عرفت بها المدن الواقعة على سواحله مثل المحمرة وتاروت وجزر موسى وقيس والشيخ شعيب وغيرها كانت هي أيضا أسماء عربية، وما زال كثير منها حتى الآن يحتفظ بالجنس العربي واللسان العربي والانتماء العربي رغم أن الفرس غيروا ــ عبر التاريخ ــ كثيرا من الأسماء العربية في الضفة الشرقية من الخليج، وآخر ضحايا العدوان الفارسي على الإمارات العربية، وليس آخرا هو الانقضاض على المحمرة الذي قام به في عام 1925 شاه إيران الأب واعتقل على أثره الزعيم العربي غزعل علي الذي ما زال مصيره سرا من أسرار الحكومة الشاهنشاهية البائدة، ثم أخيرا احتلال حكومة الملالي جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، إضافة إلى جزيرة أبي موسى الإماراتية.
ولقد كان للعرب ــ عبر العصور المختلفة ــ دورهم الأساس في تحقيق الازدهار الاقتصادي في الخليج، وذلك بسبب تميزهم بعديد من المهارات في مياه الخليج وبالذات في الصيد وتجارة اللؤلؤ، كما أن تأثيرهم لم يكن تأثيرا عابرا بل كان له سمة الاستقرار الثقافي والديمومة والرسوخ.
ومنذ مطلع التاريخ القديم كانت بابل وآشور وأكاد وعيلام، وهي ذوات جذور عربية، من أوائل الإمبراطوريات التي احتكرت التجارة الدولية في رأس الخليج حتى ساحل البحر المتوسط الشرقي، حيث ازدهرت الحياة في هذه المنطقة وعم الرخاء.
وحينما أفل نجم هذه الإمبراطوريات العربية ركدت الحياة في أنحاء الخليج بأكمله، ثم جاءت الإمبراطورية الفارسية الغازية لتحتل معظم منطقة الشرق الأوسط، ورغم أن بعض المصادر الغربية دأبت على إطلاق اسم الخليج الفارسي على الخليج العربي اعتمادا على الاحتلال الفارسي المتأخر للخليج الذي أعقب فترات الحكم العربي الأول، إلا أننا نلاحظ أن المؤرخ الروماني بليني استخدم في القرن الأول للميلاد مصطلح الخليج العربي، وذلك في وصفه لمدينة خاراكس التي يرجح الباحثون أنها مدينة المحمرة، وقال بليني بالنص: خاراكس مدينة تقع في الطرف الأقصى من "الخليج العربي" حيث يبدأ الجزء الأشد بروزا من العربية السعيدة وهي مبنية على مرتفع، ونهر دجلة إلى يمينها ونهر أولاوس إلى يسارها.
وفي عصر الدولة الإسلامية أصبح الخليج يشكل خط الحدود الشرقية للوطن العربي، كما كان يمثل جزءا رئيسا لحدود الدولة الإسلامية، لأنه يربط المنطقة العربية بما وراءها ويصل سكان تلك المناطق بصلات حضارية قديمة، ولذلك اكتسب الخليج العربي أهمية بالغة لدى المؤرخين المنصفين والمحايدين.
ومع بزوغ بشائر البترول في أواخر القرن الـ 19 أخذ الاستقطاب الأوروبي (وبالذات البريطاني) يلتف حول خاصرة منطقة الخليج، وعبثا حاولت الدولة العثمانية التي بدأ الضعف والهزال ينخر أوصالها أن تحمي وجودها وتقاوم الزحف البريطاني المتوغل في الخليج، ولكن كان الأوروبيون يراهنون على إيران ويستخدمون كل الوسائل من أجل أن يحتلوا كل أرجاء الخليج وعملوا ــ من أجل ذلك ــ بكل الوسائل لتحقيق حلمهم الاستعماري (حتى الحس القومي لدى الفرس)، فقد استخدموه لإشعال العداء القديم بين العرب والفرس.
ونتيجة لذلك فلقد نجح البريطانيون في تأجيج الصراع بين العرب والفرس على مسمى الخليج العربي والخليج الفارسي، وحينما كانت جامعة الدول العربية في قوتها حتى قبل أن تستقل دول الخليج وتنضم إلى الجامعة.. تصدت الجامعة للموقف الإيراني وأصدرت قرارا برقم 2073 في عام 1962 أهابت فيه بجميع المنظمات والفعاليات الدولية بضرورة استخدام المسمى التاريخي الصحيح للخليج العربي بدلا من الخليج الفارسي، ولقد أودعت الجامعة العربية في حينه نسخة من هذا القرار لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة.
إنني ــ مرة أخرى ــ أطالب مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية بعقد اجتماع وزاري لبحث الموقف المتراجع والمتخاذل لحكومة قطر إزاء مسمى خليجنا العربي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي