الهيئات الدولية .. بصمات القوة
نجح الغرب في إيجاد هيئات ومنظمات دولية، وهذه حقيقة لا ينكرها إلا جاحد، ومنكر للحقيقة، وهذا النجاح لم يأت من فراغ، بل جاء بعد نضج ثقافي وسياسي وفكري أهله للتفكير في النظام المؤسسي الذي يخدم من خلاله أهدافه، فبالمؤسسات ذات الطابع الدولي يمكنه أن يحقق ما يريد، ذلك أن الهيئة الدولية بأنظمتها تعطي قوة يمكن من خلالها تمرير ما يراد. هيئة الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، و«اليونسكو»، ومحكمة العدل الدولية كلها هيئات دولية تنتسب لها معظم دول العالم، ومن خلالها تتم معالجة القضايا السياسية، والاقتصادية، ومواجهة الكوارث التي تواجهها بعض الدول.
صحيح أن تأسيس هذه الهيئات، والمنظمات الدولية شاركت فيه دول من قارات، وثقافات، وانتماءات دينية متعددة إلا أن اليد الطولى، والمؤثرة كانت للدول الغربية، في وضع النظم، والقوانين التي تحكم أعمالها، وفي ضوئها تتخذ القرارات، ولعل أبرز مثال على النفوذ، والقوة الغربية مجلس الأمن، ومن يتحكم في قراراته، بما يخدم الدول الخمس دائمة العضوية، التي لها حق النقض، فأمريكا استخدمت هذا الحق عشرات المرات في تحيز واضح ضد الشعب الفلسطيني، وانحيازا لدولة الكيان الصهيوني في اعتداءاته، وظلمه لشعب أعزل يدافع عن حقوقه، ويسعى لاسترداد أرضه المغتصبة، وروسيا كذلك استخدمته في وجه مطالب الشعب السوري.
في فترة من التاريخ، وفي محاولة للتخلص من الظلم العالمي الذي يمارس باسم الأمم المتحدة تأسست مجموعة عدم الانحياز، في محاولة لإيجاد كيان مستقل عن هيمنة الدول الكبرى، ذات القوة العسكرية، والنفوذ في الأمم المتحدة، لكن هذه المجموعة لم تحقق أهدافها، نظرا لأن الدول الأعضاء لم تتخلص من الانتماء، والتبعية للمعسكر الرأسمالي، أو الاشتراكي، والسر في ذلك يعود إلى أن هذه الدول لم تأخذ بالأسباب التي تخلصها من التبعية، علما أن التبعية لبعض الدول كانت برضا، وقبول أيديولوجي.
من دول مجموعة عدم الانحياز المؤثرة، والبارزة مصر، وإندونيسيا في عهدي جمال عبد الناصر، وسوكارنو، وغيرهما من الزعماء، ممن يسير في ركب الرأسمالية، ويتبناها، لكنّ كليهما يؤمنان بالنظام الاشتراكي، وفرضاه على دولتيهما، ولذا كانت عضويتهما في مجموعة عدم الانحياز شكلية لا قسمة لها، ذلك أن التحرر من الهيمنة أيا كان نوعها لا بد له من فكر يؤسس عليه، ويوجه عملية التحرر، ويوجد ثقافة اجتماعية، ويبدع الآليات المناسبة، وهذا ما لم يتحقق لحركة دول عدم الانحياز لأنها مكبلة بفكر الانتماء الرأسمالي، أو الاشتراكي.
عالمنا العربي، والإسلامي، خاصة السعودية له جهوده في إيجاد هيئات، ومنظمات لكنها أقرب ما تكون إلى الهيئات الإقليمية، كجامعة الدول العربية، ورابطة العالم الإسلامي، ومنظمة التعاون الإسلامي، والبنك الإسلامي للتنمية، إلا أن نشاط هذه الهيئات لا يظهر عليه الطابع الدولي، وإن كانت بعض نشاطاتها، وخدماتها تمتد إلى دول، ومجتمعات غير إسلامية، وهذا ربما يعود إلى ضعف التكوين، والبناء، والأنظمة التي تجعل الأنشطة مغمورة، وذات طابع إقليمي، ولا يتم إبرازها إعلاميا.
في ظني أن الأمر يحتاج إلى إعادة نظر في أنظمة، وآليات عمل هذه الهيئات ليبرز دورها، ويعلم على الصعيد العالمي ليكون لنا موطئ قدم مؤثرة عالميا، ولعل من أبرز الأمثلة أن المعونات التي تقدمها الدول العربية والإسلامية وبالأخص المملكة، حيث تقدم مبالغ طائلة في أعمال الإغاثة، نتيجة الكوارث، والحروب تقدم باسم الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، دون أن يعرف المستفيدون من هذه التبرعات، سوى كونها من الأمم المتحدة، ليتبادر للذهن فورا أنها من دول غربية.
حجم الإنفاق الذي تقدمه دولنا، قد يفوق ما يقدمه الآخرون، إلا أن المكسب السياسي، والمعنوي للآخرين يفوق ما نحققه لأن خبرتهم، والأنظمة التي تنظم أعمالهم إضافة إلى تحكمهم في المنظمات الدولية تجعل أعمال الآخرين، كأنها أعمالهم، كما أن العمل الإعلامي القوي المرافق لأعمالهم يبرزها مهما كانت محدودة. ما من شك أن إيجاد هيئات، ومنظمات في منطقتنا نجاح كبير، لكن لماذا لا نسعى لتكون هذه الهيئات ذات سمعة عالمية في أعمالها، وثقافتها، وفكرها الذي تقوم عليه؟!
ومن الأمثلة البارزة على تأثير الغرب في الهيئات الدولية ترسيخ مفاهيم في القانون الدولي، وفرضها على الجميع، بلا استثناء، فمثلا الصلح، والتطبيع وفق القانون الدولي يعني السلام الدائم مع العدو الذي يتم الصلح أو التطبيع معه، حتى لو كان محتلا لأرضك، وهو من بدأ العدوان، ولذا تأتي أهمية أن تكون لهيئاتنا الصبغة الدولية لننشر من خلالها ثقافتنا، ومصطلحاتنا، وبما يخدم مصالحنا.