النفط الصخري يجد نفسه في مرمى الأسواق
مرة أخرى، أسواق النفط لا يعجبها ما تراه. في العام الماضي، كان رفض منظمة أوبك كبح جماح الإنتاج في مواجهة إعادة التوازن في السوق هو الذي أرسل أسعار النفط إلى دون 30 دولارا للبرميل بحثا عن أرضية، عندها عمدت "أوبك" إلى تغيير موقفها وتوصلت إلى اتفاق لخفض الإنتاج. الآن، عملية إعادة التوازن لا تزال تأخذ وقتا طويلا ــــ وببساطة، إن النفط الصخري الأمريكي في مرمى الأسواق.
لقد سمحت تخفيضات الإنتاج النهائية لمنظمة أوبك باستقرار الأسعار حول 50 دولارا للبرميل، لكن قطاع النفط الصخري الأمريكي غير المنضبط وغير المنسق بدأ هذا العام في العمل بسرعة كبيرة حالت دون استنزاف فائض المخزون. الآن، يبدو أن الأسواق تبحث عن نقاط الضغط في أسعار النفط الصخري ــــ والسؤال هو ما إذا كانت المستويات الحالية حول 45 دولارا للبرميل ستكون كافية لكبح جماح نمو الإنتاج.
التقطت أسعار النفط أنفاسها الأسبوع الماضي، ولكن مر أكثر من شهر منذ أن شهد خام غرب تكساس الوسيط أسعارا قرب 50 دولارا للبرميل، وما يقرب للفترة نفسها لأسعار خام بحر الشمال برنت. وقد جاء هذا التراجع في الأسعار على الرغم من قيام منظمة أوبك وشركائها من غير الأعضاء في أواخر أيار (مايو) بتمديد تخفيضات الإنتاج المتفق عليه لمدة تسعة أشهر. لكنّ مراقبي السوق لم يقتنعوا بأن انخفاض الإنتاج ـــ من أساس تشرين الأول (أكتوبر) المرتفع ــــ سيعمل باستمرار على خفض المخزونات المرتفعة. وكان الرادع الكبير هو عودة إنتاج النفط في الولايات المتحدة إلى 9.3 مليون برميل في اليوم أي بزيادة بنحو 900 ألف برميل في اليوم على العام الماضي.
وستعتمد التوقعات الآن جزئيا على صبر أسواق النفط، حيث إن اتخاذ إجراءات سريعة بشأن النفط الصخري الأمريكي قد يتطلب أسعارا منخفضة. مدعوما بمزيج من مكاسب الكفاءة على مدى العامين الماضيين، تحوطات الإنتاج، والزخم التشغيلي الذي تم بناؤه على مدى الأشهر القليلة الماضية، لم يتأثر قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة بمستوى الأسعار بين 40 و 45 دولارا للبرميل التي شهدتها الأسواق في الأسابيع الأخيرة. وإذا ما استمر تراجع الأسعار في عام 2018 وعندما تتوقف عمليات التحوط، فمن المرجح أن تتدارس الشركات العاملة في هذا القطاع وتيرة أكثر دقة لإضافة حفارات جديدة وإكمال الآبار ـــ ولكن مدى تراجع القطاع غير واضح بالضبط.
يبدو أن الأسواق على استعداد الآن لمعرفة ما إذا كانت أسعار النفط قرب 40 دولارا للبرميل ستكون كافية لتحفيز التباطؤ في إنتاج النفط الصخري إذا ما استمرت فترة طويلة كافية. لكن بعض كبار منتجي النفط الصخري يدعون أن نقطة الانعطاف الرئيسة في إنتاج النفط الصخري لن تأتي إلا إذا انخفضت الأسعار دون 40 دولارا للبرميل ـــ وإذا لم يكونوا حذرين، قد تجبر الأسواق على اتخاذ منحى آخر. في هذا الجانب، أكد بعض المديرين التنفيذيين للمستثمرين أن خطط الاستثمار يمكن أن تبقى على المسار الصحيح في بيئة الأسعار الحالية. من جانب آخر، لا تزال شركة ديفون للطاقة تخطط لمضاعفة عدد منصات الحفر في تشكيلات النفط الصخري في الولايات المتحدة بحلول نهاية العام، حيث قالت الشركة إنه إذا ما تحركت أسعار النفط حول 40 دولارا للبرميل أو أقل من ذلك في المدى الطويل، فإن الشركة قد تغير بعض خططها. لكن شركة بايونير للموارد الطبيعية Pioneer Natural resources قالت من جانبها إنها لن توقف عمليات الحفر لأنه قد يأتي وقت تنخفض فيه تكاليف الآبار إلى مستويات متدنية جدا.
وقد أثار اهتمام السوق المتزايد بتصحيح بيانات النفط الأمريكية التركيز أكثر على حزمة بيانات النفط من قطاع الطاقة الأمريكي الذي يمتاز بشفافية عالية. حيث تتم دراسة وتداول البيانات الأسبوعية بخصوص عدد منصات الحفر، أرقام الخزين، تقديرات معدلات الإنتاج وعدد الآبار المحفورة غير المكملة (أي تلك التي ما زالت تحتاج إلى عمليات تكسير وإكمال). حيث تبحث الأسواق عن اتجاه متسق لتباطؤ نشاط الحفر، وبطء عمليات إكمال الآبار وتراجع في نمو الإنتاج، لتتفاعل معه. ولكن الفارق الزمني بين عمليات الحفر والإنتاج الجديد، فضلا عن انتظار صدور بيانات الإنتاج الشهرية الأكثر دقة عن إدارة معلومات الطاقة، يعقد هذه العملية.
على سبيل المثال، أضاف منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة عددا كبيرا من منصات الحفر في أواخر حزيران (يونيو) للمرة الثانية في الشهرين الماضيين، ليصل عدد منصات الحفر العاملة إلى أعلى مستوى لها منذ عامين عند 758، وفقا لبيانات بيكر هيوز. مع ذلك، أظهرت أحدث بيانات الإنتاج الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة أن إنتاج النفط الأمريكي تعرض إلى أكبر خسارة أسبوعية له منذ نحو عام، حيث بلغ 9.25 مليون برميل يوميا. مثل هذه التفاوتات أمر لا مفر منه عندما يستغرق المنتجون من أربعة إلى خمسة أشهر لبدء إنتاج جديد من منصاتهم المحسنة بعد بدء الحفر، في حين أن البيانات الأسبوعية لإدارة معلومات الطاقة عرضة للمراجعة. من جهة أخرى، تأتي البيانات الشهرية الأكثر دقة مع تأخير شهرين، حيث إن أحدث الأرقام لشهر آذار (مارس) لا تزال تظهر إنتاجا أقل من 9.1 مليون برميل يوميا.