رسوم عائلات الوافدين والتستر

السؤال المركزي: هل الرسوم قرار اقتصادي أو مالي؟ الإجابة المبسطة أنه كلاهما ـــ الآلية مالية والهدف اقتصادي، ولكن هل هذا جواب شاف في ظل التفسير والقراءة العميقة لحال المملكة؟ قد يقول قائل إن الناحية العملية تغلب ولذلك ليس هناك فرق في الآخر. أعتقد أن هناك فرقا جوهريا يفسر تصرف الحكومة ورد الوسط التجاري وعلى الأقل جزء كبير منه. هناك خلط أحيانا متعمد وأحيانا بسبب ضعف في المرجعية الاقتصادية الجمعية. مصدر الخلط رغبة الوسط التجاري في استمرار درجة من الإهمال الحميد وتوجهات الحكومة لإعادة مركزية القرار الاقتصادي لخدمة تكوين رأسمال بشري ومادي معرفي وطني. في نظري المصالح الشخصية دائما موجودة ولكن هناك أيضا درجة من الجهل ومحاولة التجهيل.
الرسوم والضرائب ليست جديدة ولكن الجديد محاولة تغيير هيكل اقتصاد المملكة، خاصة أن "الرؤية" والخطط الجديدة تنادي بتعظيم دور القطاع الخاص. موضوع الرسوم حبل يربط هذه العلاقة، ولذلك لا بد من توخي الحذر والدقة في التشخيص لكي يكون التوجه والزخم يخدم المملكة Saudi Inc - خدمة لا تفرق في المصلحة العامة، ولكن تفرق في الأدوار ومن هو أكثر فعالية في سلم الزمن وفي تعقيد المرحلة. الإشكالية أن وسط رجال الأعمال تغلب عليه نزعة تجارية أكثر منها نزعة مبادرين ورجال أعمال تطمح لبناء شركات أطول نفسا وأعمق معرفة من متطلبات تاجر الصفقات السريعة والعمولات المبنية على مقاول من الباطن. الأرباح السهلة لكثير من التجار أوهمتهم أنهم رجال أعمال. لا يمكن أن نقلل من دور الوهم والجهل، خاصة حين يكون مدعوما بنجاحات مالية، بل إن كثيرا منهم انتقل من التجارة إلى التستر بسرعة وكأن شيئا لم يحدث في منظومة التصرفات إلى حد أن بعضهم أصبح لديه وقت للحصول على الدكتوراه من الدول المجاورة كإحدى أدوات التمركز التستري.
للنموذج التستري عدة خصائص اقتصادية منها ضياع مركزية تجميع الرسوم والضرائب وهذا أهمها للعقلية المتاجرة ولكن ليس أهمها اقتصاديا. الأهمية الاقتصادية أن مسألة تكوين الثروة الوطنية تستمر ضعيفة. استرخاص العمالة الوافدة بما في ذلك تحميل المجتمع تكلفة عائلاتهم (التكلفة العامة من هذا النوع دائما عائمة ولكنها موجودة) يأتي على حساب تنمية عوامل الإنتاج الأهم: تعميق مشاركة وتطوير المواطن وتكثيف دور التقنية والمعرفة. التهرب من الاستحقاقات الاقتصادية لا يمر دون تكلفة باهظة على الجميع بمن في ذلك التاجر الوطني.
الاعتقاد أننا سنحقق أهداف القيادة متمثلة في "الرؤية" والخطط الوطنية دون إعادة هيكلة سوق العمل ضرب من الخيال ولكنه مفهوم لمن تعود على الربح السهل واستطاع تقمص دور رجل الأعمال من باب التستر وجمع الرسوم والضرائب بدلا عن الحكومة. نعم هناك حالة فريدة نشأت بسبب عدم التفريق بين النمو والتوسع على مدى العقود الماضية التي من إفرازاتها ظهور طبقة متسترين وكأنهم رجال أعمال، ولكن أيضا للإنصاف هناك نزعة عربية عميقة للتجارة على حساب المبادرين ورجال الأعمال القادرين على بناء شركات تتعدى دور التاجر المراهن على الكسب السريع دون حاجة لتعميق المعرفة والقدرات التنظيمية حتى التعليم (العلاقة بين التعليم والإنتاجية أكثر بكثير من العلاقة بين التعليم وتمثيل شركة أجنبية أو الحصول على عقد حكومي وإسناده لمقاول من الباطن). للجميع مصلحة في التعاون مع الحكومة لنقض نموذج لم يعد مناسبا.
الأرقام المالية التي ذكرت لا بد أن تكون تقديرية بسبب أن إعادة هيكلة الاقتصاد لا يمكن أن تكون متماثلة الأثر ولكن التوجه الاقتصادي أهم. أخذت الحكومة ممثلة في وزارة المالية والاقتصاد و«العمل» خطوة إلى الأمام لخدمة الاقتصاد الوطني وستجد مقاومة من أصحاب المصالح الضيقة، ولكن ليس هناك قرار دون تكلفة ولكن هناك تكلفة أعلى بكثير في عدم القرار أو في ضعف التنفيذ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي