القطاع الخاص .. والتحدي الجديد

أرجو ألا يفهم من هذا المقال أنني ضد القطاع الخاص لأنني من المحسوبين عليه.. لكن فقط هو لتحفيز هذا القطاع لقبول التحدي الجديد والقيام بدوره المأمول والمرسوم ضمن "رؤية 2030" التي تقوم على تنويع مصادر الدخل لتقليل الاعتماد على النفط بقدر الإمكان خلال سنوات «الرؤية».. ولكي نتحدث عن القطاع الخاص بإنصاف لا بد من نبذة تاريخية ربما يتذكرها البعض.. ففي عام 1974 والسنوات العشر التي تلتها عند ارتفاع أسعار النفط ازدهرت الأعمال وتدفقت الفوائض المالية وسميت تلك الفترة بالطفرة الأولى.. وبدل أن يوجه القطاع الخاص تلك الوفرة المالية نحو مشاريع إنتاجية صناعية كانت أو خدمية اتجه لتجارة الربح السهل وهي تجارة العقار ليس بمفهومه الشامل.. أي التطوير العقاري الذي لو تم منذ ذلك الوقت لما كانت لدينا أزمة الإسكان الحادة.. وإنما تجارة الأراضي البيضاء التي لا فائدة منها للاقتصاد الوطني فهي لا توفر الوظائف ولا تقدم الخبرة ولا تسهم في قوة الاقتصاد الوطني.. وظهرت آنذاك فكرة المساهمات العقارية التي كان المبرر لها إشراك أكبر عدد ممكن من الناس في الأرباح، لكن آثارها السلبية لعدم الوضوح والشفافية فيها ما زالت باقية حتى الآن.
وانتهت الطفرة الأولى فاحتار القطاع الخاص إلى أين يتجه.. بعضهم صدق أن الصناعة خيار المستقبل فأنشأ المصانع بمواد خام مستوردة وعمالة وافدة.. وتعقيدات روتينية كبيرة فندم على خوضه هذه التجربة، والبعض اتجه إلى سوق الأسهم التي بدأت تزدهر وصفقات الأرباح تطغى على أحاديث المجالس.. وباع بعض الناس البسطاء منازلهم ودخلوا معترك الأسهم.. ثم بعد أن بلغت السوق أكثر من عشرين ألف نقطة انهارت بشكل مفاجئ فتحطمت كل الآمال.. وأصيب القطاع الخاص بضربة جديدة اتجه معها إلى الدولة يطلب العون والمشورة.. وهنا جاء دور التحدي الجديد الذي يشرف عليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان شخصيا.. وهو المعروف بفتح آفاق جديدة للاستثمار وإشراك جميع القطاعات فيها والقياس الدقيق لمدى نجاحها عبر مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وركز في جميع كلماته ومقابلاته على أن القطاع الخاص شريك قوي للدولة في تنفيذ الرؤية الجديدة.. ومعنى ذلك أن القطاعات مفتوحة أمام القطاع الخاص عن طريق مشروع التخصيص الذي لم يعد شعارا يرفع فقط، وإنما واقعا ينفذ، فتحلية المياه والتعدين ومناجم الذهب والمستشفيات حتى الأندية الرياضية والمطارات والخدمات اللوجستية كلها ستدخل تحت مظلة التخصيص.. وسيوفر توافر الغاز والنفط والانتقال من الصناعات الأساسية إلى الصناعات المتقدمة فرصة لتحويل بلادنا إلى مركز للتجارة العالمية مستفيدة من موقعها الجغرافي المميز ومكانتها العالمية وعلاقاتها القوية مع مختلف الدول والمنظمات الاقتصادية العالمية.
وأخيرا: بقي على القطاع الخاص أن يستعد للتحدي الجديد بتكوين كيانات قوية فمن أهم الجوانب السلبية في الماضي نزعة رجال الأعمال إلى العمل الفردي بعيدا عن تطوير الأساليب والحوكمة كما أن الغرف التجارية يجب أن تتغير فلم يعد دورها توفير الوجاهة لأعضاء مجالس إداراتها وتحولها إلى صندوق لجباية رسوم التصديق وغيرها، وإنما عليها أن تشارك في وضع الأنظمة وتذليل الصعوبات التي تواجه القطاع الخاص وتحد من قدرته على التطور.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي