رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الترفيه .. وسيلة عصرية لتنويع مصادر الدخل الوطني

إن أبسط تعريف للترفيه هو أنه تلك الفترة من الوقت التي يمتلك الفرد فيها حرية التصرف في شؤونه بعد أن أدى ما هو مطلوب منه من عمل وإنجاز. ولذلك فإن مصطلح الترفيه يستخدم للإشارة إلى أنواع معينة من الأنشطة لا تأخذ شكلا واحدا، وإنما تجتمع فيها المتعة والحرية، بمعنى تجديد أريحية النفوس وتجديد إمكاناتها لنشر السعادة والعمل والبناء.
ويجدر بنا أن نعترف بأن الترفيه بفلسفاته وفكره وفروعه المختلفة غير واضح لكثير من الناس، بل مازال الترفيه يتقدم نحو المجتمع بخطى وئيدة ومترددة لأننا نستطيع أن نقول إنه في طور التكوين والنشأة.
هنا أقول حبذا لو أن الهيئة العامة للترفيه قد قدمت نفسها إلى المواطن السعودي كجهة حكومية مسؤولة عن نشر قيم التسامح ونبذ الكراهية ونشر السعادة بين جميع الناس.
إن مشروع الترفيه طُرٍحَ ــ لأول مرة ــ كنشاط رئيس في أجندة الحكومة ضمن الأهداف الرئيسة لـ "رؤية السعودية 2030"، وهذا شيء رائع يؤكد أن الدولة ستوظف موضوع الترفيه كوسيلة عصرية لبناء مجتمع يسعى إلى تنويع واستثمار موارده المتاحة من أجل تحقيق التنمية المستدامة.
حتى يتجسد مشروع الترفيه على أنه أحد المجالات المهمة والجادة للرؤية، فقد اتخذت القيادة السياسية في عام 2016 قرارا بإنشاء الهيئة العامة للترفيه وصدر بها أمر ملكي بتوقيع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
ويؤكد الأمر الملكي أن الترفيه ليس مجرد لهو وتزجية لوقت الفراغ، بل سيكون أحد أهم المصادر الاجتماعية الممولة للدخل الوطني في السعودية.
ولأن الموضوع في ــ تكوينه الحكومي والرسمي ــ جديد على المجتمع السعودي، فإنني سأتحدث هنا عن الترفيه من منظور اجتماعي أسهم بشكل فعال في رقي الدول المتقدمة، وسأرجئ الحديث عن الترفيه كمورد اقتصادي في مقال آخر.
ولذلك إذا كانت "رؤية السعودية 2030" قد صنفت الترفيه كأحد الموارد الاقتصادية الغائبة عن المجتمع السعودي طوال العقود الطويلة الماضية، فإن الترفيه في المستقبل لن يكون غائبا ــ بأي حال من الأحوال ــ بل سيكون أحد الموارد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الرئيسة المهمة لمجتمع السعودية.
إن الترفيه نشاط متغير باستمرار، كما تتغير الاتجاهات نحو الترفيه ودرجة المشاركة فيه، فقد كانت وما زالت هناك تغيرات كبرى تحدث في مجال الترفيه، سواء لدينا في مجتمع السعودية، أو في جميع دول العالم، فمثلا خلال النمو الاجتماعي المبكر كان الترفيه أحد الأجزاء المكملة للنشاط اليومي في حياة الإنسان الأول، حيث تتم المتعة في أي وقت ما دامت الظروف ملائمة، فكان الصيد، والقنص، والعرض، وممارسة الألعاب الفولكلورية، والعزف على الآلات الموسيقية متعة في حد ذاتها، بشرط أن يتم ذلك في مواسمها أو في ظروفها المناسبة.
ولا شك أن دراسة تاريخ الترفيه تساعد على تنمية المفاهيم والعمل على التقدم بها في الوقت الحاضر، كما تساعد على التعرف على الاتجاهات المحتملة مستقبلا لهذا النشاط المهم والأثير للنفس البشرية الحالمة.
ولقد كان للترفيه نصيب في حياة الإنسان القديم، كما كان للعمل نصيبه، وكان الأثرياء والنبلاء يستقطعون الوقت لممارسة الأنشطة الترويحية الشائعة في تلك العصور السحيقة، حيث عرف الإنسان منذ العصور الغابرة الموسيقى واستمتع بها، وكانت له جوقاته الموسيقية، كما كان الرقص شائعا ومتنوعا بين الناس، وفي بلادنا أيضا كنا وما زلنا نرقص رقصة الحرب (العرضة النجدية)، وكنا وما زلنا نرقص المزمار وغيرهما من الرقصات الجميلة، التي تعبر عن التعددية الثقافية في المجتمع السعودي، كذلك بزغ فجر الدراما في الحضارات القديمة، كذلك اهتمت الأجيال القديمة ــ كما أشرنا ــ بالصيد، والقنص، وصيد السمك، وتربية الحيوانات، وعمدوا إلى إقامة مسابقات الفروسية، ومباريات المصارعة بين الحيوانات، ومارسوا البراعات الحركية والرماية والسباحة، وكانت المرأة حاضرة تشارك في كثير من أنواع الترفيه الجميل.
كذلك كانت المدن تتسابق على إنشاء المتنزهات، وبناء الحدائق، والمناظر الطبيعية بقصد الترفيه، وكثيرا ما كان الناس يقومون برحلات خلوية أو رياضية خارج حدود المدينة، وكانت الفترة بين الحربين العالميتين فترة تميزت بالإقبال على الترفيه والترويح عن الأنفس التي كانت مكلومة برحى حرب مدمرة أخذت الأخضر واليابس، واهتماما من الحكومات بالترفيه في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى خفضت الحكومات أيام العمل إلى خمسة أيام ونصف اليوم في الأسبوع بدلا من ستة أيام، وعدد ساعات العمل أصبح تسع ساعات بعد أن كانت ساعات العمل تصل إلى نحو 12 ساعة في اليوم.
ويومذاك كانت ثقافة المحافظة على البيئة قد كبرت وانتشرت في كل دول العالم الغربي، وبدأ كثير من برامج المحافظة على البيئة والغابات يزدهر وينتشر في مختلف ربوع أوروبا والولايات المتحدة، وفي هذا الإطار ازدهرت وانتشرت ظاهرة الجري والهرولة والمشي بين المدن ونصب الخيام في الغابات الكثيفة التي اشتهرت بجمالها وروعتها الطبيعية وصاحب هذه الأفكار في مجالات الترفيه المختلفة الاهتمام بالفوائد الصحية من خلال ممارسة رياضة المشي والهرولة وأنواع الرياضات الأخرى، ولقد خصصت مساحات شاسعة من الأراضي للحدائق البرية والحياة الفطرية بطريقة لم يسبق لها مثيل.
وفي الوقت الذي أخذت الحكومات تتجه ــ بجبهة عريضة ــ نحو بناء وإنشاء المتنزهات والحدائق الشعبية والمناطق الأثرية بدأت المعارضة الاجتماعية للنشاط الترفيهي خاصة في المناطق الحضرية تتراجع تقتنع بأن الترفيه أداة من أدوات بناء المجتمع وتقويمه، وهكذا بدأ الترفيه يدخل في البرامج الأساسية للتنمية الشاملة في كل دول العالم المتحضر.
أقول مرة أخرى حبذا لو أن الهيئة العامة للترفيه قد قدمت نفسها إلى المواطن السعودي كجهة مسؤولة عن نشر قيم التسامح ونبذ الكراهية ونشر السعادة بين الناس جميعا بعيدا عن الدخول كطرف في قضايا شائكة وغير محمودة العواقب مثل الاصطفاف مع تيار ضد تيار آخر أو العكس!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي