صناعة التأثير

هل يوجد ما يسمى صناعة التأثير؟ وماذا نعني بها؟ ما من شك أن التأثير، وصناعته موجودان في حياة الأفراد، والمجتمعات، سواء كان التأثير مقصودا، أو غير مقصود، أي من خلال ما يعرف بالإيحاء، فالمعلم في مدرسته يؤثر، ويسعى للتأثير في طلابه لاكتساب المعارف التي يختارها، وتتناسب مع توجهاته، ومعتقداته، وكذلك يجتهد لصرفهم عما لا يتناسب مع ما يراه حقا، أو يحقق المصالح التي يسعى لتحقيقها، كما أن الطبيب يؤثر في مرضاه حين يقنعهم أن المرض، أو شكواهم ما هي إلا شيء بسيط، وليس جوهريا، أو ربما يكون العكس، قد يعطي صورة سوداوية تضاعف من المرض، وتجعله يستفحل. هذه أمثلة بسيطة على التأثير بين الأفراد، وما من شك أن البلاغة، والكاريزما اللتين يمتلكهما الشخص لهما دورهما في التأثير.
الإعلام بجميع صوره، وأشكاله، وتقنياته له دوره في التأثير في عامة الناس وخاصتهم من خلال نوع المعلومة، وطريقة عرضها، ومصدرها الذي تم الوصول من خلاله للمعلومة، ولذا نلمس أن الناس مع الوقت يشكلون قناعات بشأن وسائل الإعلام، من حيث درجة الثقة بها من عدمها، حتى أنهم يؤمنون بصحة خبر لمجرد وروده في صحيفة، أو قناة تلفزيون، حتى وإن كان غير صحيح، وتصل قناعتهم بما ورد إلى درجة المجادلة، والدفاع المستميت عن صحة الخبر. ويرتبط بالإعلام، والتأثير، صناعة الدعايات، إذ تحولت إلى صناعة، ذات تأثير كبير في مجال تسويق البضائع، والمنتجات، والأفكار، والتوجهات السياسية، حيث وجدت شركات، ومختصون في مجال الدعاية، والإعلان يعملون على اختيار الأساليب، والشخصيات ذات التأثير إضافة إلى المناسبات ذات المشاهدة الكبيرة ليتم عرض الدعاية في أثنائها.
بعض القضايا الحساسة في مجال المعتقد، والسياسة يتم اختيار من يتصدى لها بعناية تامة، حيث يقع الاختيار على من يوثق به، علما، وخبرة، وأن يكون ذا سمعة، وقبول عند الناس، حتى يمكن تمرير ما يراد على الجماهير، ولذا نجد وسائل التأثير تتحول إلى منصات استقطاب في مناسبات، وظروف لشخصيات، ثم تختفي عن المشهد، حالما يزول الظرف الذي من أجله تم استقطابها لتعود مرة أخرى حين يتم الاحتياج إليها.
الكتب المدرسية، والقصص، والروايات، والمسلسلات كلها منتجات ذات تأثير، إلا أن تأثيرها يختلف باختلاف الأسلوب الذي ينتهج في كل واحدة منها، فالمسلسلات يعتمد تأثيرها على الفكرة، والشخصيات، من حيث شهرتها، وقيمتها الفنية، إضافة للحبكة الفنية، والمواقف التي تحرك المشاعر، وتخاطب العقل، وتدغدغ العواطف، أو الغرائز، وما يراد تحقيقه.
صناعة التأثير وجدت لها ميدانا خصبا في السياسة، سواء على مستوى مجتمع داخلي، أو بين الدول، حتى وجد في أوروبا، وأمريكا ما يسمى شركات العلاقات العامة، ودورها محاولة تبني وجهة نظر دولة من الدول لدى سياسيي ومؤسسات صناعة القرار في دولة أخرى بهدف الموافقة على بيع سلاح، أو تبني والدفاع عن موقف دولة أخرى في مجلس الأمن، أو هيئة الأمم، أو صندوق النقد الدولي، أو غيرها من الهيئات الدولية، وكثيرا ما قرأنا، أو سمعنا أن دولة تعاقدت مع شركة علاقات عامة مقابل مبلغ ضخم، حتى تقوم بالدفاع عنها داخل الأوساط السياسية، أو الاقتصادية.
ما من شك أن التأثير له أصوله العلمية التي تستند في الأساس إلى قواعد، وقوانين علم النفس، إضافة إلى المرتكزات الثقافية، والاجتماعية لمن يراد إحداث التغيير فيهم، فالجهل بهذه الأشياء يترتب عليه فشل عملية التأثير، كما أن الإلمام بالثقافة العامة لا يغني عن الإلمام بالثقافة الخاصة، فمثلا الطبقة السياسية في بلد ما لها ثقافتها الخاصة، ما يستوجب الوعي بها، ومعرفة كيفية الدخول من خلالها لإحداث التغيير المطلوب، فالمفهوم البراجماتي يعتبر أحد الأسس في النظام الرأسمالي الغربي، وبالأخص في أمريكا، وبحسن توظيفه يمكن إيجاد التغيير المطلوب.
التأثير أصبح سلعة يتم بيعها، وشراؤها، ومن المؤكد أن الاستعانة بذوي الخبرة كشركات العلاقات العامة من داخل الوطن الذي يراد التأثير في مواطنيه، أو في نخبة سياسية، أو ثقافية مؤثرة، ولها دور في اتخاذ القرار يمثل إجراء مناسبا، وضروريا يتفق مع النهج القرآني "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه"، فالفرد، أو الشركة داخل الوطن أدرى، وأعلم بواقع مجتمعها، وثقافته، والرموز المؤثرة، ما يزيد من إمكانية نجاح عملية التأثير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي