إمام المسجد القديم

لا يزال صوت الشيخ في مسجدنا القديم يرن في أذني. قراءته التلقائية، غير المتصنعة. بساطته وعفويته الظاهرة. كانت خطبته لا تخوض فيما خاض فيه شيوخ أشرطة الكاسيت في ثمانينيات القرن الماضي. كان دعاؤه دوما يتركز على الإنسان وصلاحه.
لم يكن مهموما بالدعاء على الآخرين. لم نكن نسمع الدعاء على الآخر بتجفيف الدم في عروقه، ولا تدمير أطفاله ونسائه. أوجد شيوخ الكاسيت في ثمانينيات القرن الماضي قاموسا جديدا للخطبة لم يكن معهودا. واستمروا على ذلك حتى أوجدوا نموذجا ممسوخا من أبرز مظاهره جماعات التكفير والهجرة والقاعدة وداعش.
ساد في خطب هؤلاء الوعاظ التسييس، والغمز واللمز على الحكام، وبعضهم كان يتهم الحكام تلميحا أو تصريحا بالكفر والحكم بغير ما أنزل الله.
لم يسلم أحد من دعائهم، وتفسيقهم، وتجريمهم، ووصمهم بأنهم يسعون لإفساد المجتمع. محصلة ذلك تأثر بعض الشباب بهذا الخطاب الموبوء.
كانت الحركات الإسلاموية المؤدلجة، قد استغلت الحماس المتدفق لدى الشباب، فأوقدت في قلوبهم جذوة الغلو والتطرف والتأثر بمناهج الخوارج، وكان يتم هذا بحجة تمكين الدين.
لم يكن إمام مسجدنا العتيق، الذي رحل عن الدنيا يرحمه الله، قبل تغلغل هذه الجماعات وهيمنتها على المجتمعات العربية، يستحضر في خطبته غير تقوى الله والتوصية بحقوق الجار وحق الطريق والتنبيه للتعايش مع المجتمع بطيبة وحسن خلق.
نحن في أشد الحاجة إلى هذا الإمام، الذي ينظر للدين باعتباره روح وريحان، وكانت مرجعيته ترتبط بمفتي البلاد وهيئة كبار العلماء، ولم يكن رهينة لمرشد يجعل مصالح الجماعة فوق الوطن. لقد حقنوا عقولنا طويلا أن التفاخر بالأوطان جاهلية، وأن جنسية المسلم عقيدته. وقد عانينا هذه الفرية طويلا، واحتاجت تعرية هذه الكذبة وتحرير الناس من أوهامها جهدا كبيرا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي