ولي العهد .. طموح متجدد
صدرت قبيل أيام عدة أوامر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أهمها أمران، الأول إعفاء الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد واختيار الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد. والآخر تضمن تعديل الفقرة «ب» من المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم لتكون: «يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكا ووليا للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس».
الأمران بالغا الأهمية وتأثيرهما يمتد إلى ما شاء الله مكانا وزمانا داخليا وخارجيا.
محليا
تعيين الأمير محمد بن سلمان يمثل تطورا بالغا في تاريخ ومسيرة السعودية، بدأ بتولي الملك سلمان الحكم مطلع عام 2015، ثم اختيار الأمير محمد بن سلمان لمنصب ولي ولي العهد.
تلا ذلك تطوير وتعديل كثير من الممارسات القيادية والإدارية والتنظيمية المؤسسية في الدولة. جرى تعديل بنية كثير من مؤسسات الدولة، وأصبح اتخاذ القرار في الحكومة أكثر تبسيطا.
تلا ذلك تعديلات كثيرة قوية ومفاجئة للآخرين الذين اعتادوا على نمط تقليدي في إدارة شؤون الدولة. ربما كان على رأسها تدشين الأمير محمد خطته الطموحة "رؤية 2030". لا شك أنها خطة بالغة الطموح، تستهدف إنهاء إدمان المملكة أو اعتمادها الزائد على النفط.
ولا شك أن الأمير محمد والدولة كلها واجهت وتواجه تحديات أمام الطموحات المعلنة، لكنه يبدو أن الأمير الشاب يملك صلابة وحيوية بالغة.
ربما كان أهم إيجابية نراها نحن السعوديين في تلك الأوامر الملكية هو شغفنا وتطلعنا إلى وجود بنية مؤسسية في الحكم تتسم بالاستقرار والرسوخ، لا تتزعزع بقضية من سيخلف الملك في الحكم. ونسأله سبحانه أن يجعل القرارات الصادرة أمس تصب بقوة في استمرار استقرار الدولة لما فيه خير العباد والبلاد.
من جهة اقتصادية، فمعروف أن الأمير محمد بن سلمان هو المحرك "أو الدينمو وراء "رؤية 2030".
صحيح كانت لدينا أفكار وخطط تنموية، لكننا عانينا في السابق مشكلة كبيرة تتمثل في افتقادنا رؤية شاملة في كيفية إدارة وتنفيذ طموحاتنا الاقتصادية الكبرى.
يبدو لي أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أدرك مبكرا المشكلات السابقة، وأخذ زمام المبادرة لمعالجتها وتخطيها وفق رؤية طموحة. وكانت البداية بتأسيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسته، ويدار بأسلوب أراه أقرب إلى إدارة وتنسيق ومتابعة برامج الدولة ذات الطابع الاقتصادي والتنموي. ثم تبع ذلك إعلان برنامج التحول الوطني وما تبعه من مشروعات وإجراءات على رأسها الصندوق السيادي، وما أعلن من مشروعات لبناء كيان صناعي، وزيادة نسبة إسهام عوائد الاستثمارات في إيرادات الدولة.
من المتوقع أن يزيد تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد من قوة الطموحات لتحقيق "الرؤية".
عالميا
إقليميا وعالميا، بان للعالم من خلال عدة مناسبات ووقائع توجه سعودي لدور أكثر قوة وبروزا، ربما كان آخرها تنظيم القمم الثلاث السعودية العربية الإسلامية الأمريكية الشهر الماضي. وكان للأمير محمد بن سلمان دور أساسي في هذا التوجه. ومن المتوقع أن تزيد قوة هذا التوجه مع تعيين الأمير وليا للعهد.
نفطيا، من المتوقع أن يكون للأمير محمد بن سلمان ومن ثم للسعودية دور أكبر في عالم أسواق النفط، في وقت يشهد فيه منتجو النفط بعض المشكلات السعرية للنفط. وكان الأمير قوة محركة نحو إجراء تخفيض في الإنتاج بما يحسن الأسعار. كيف سيكون الدور، زيادة على ما نعرفه؟ ستبدي لنا الأيام ما كنا نجهل، لكن الأقرب أن نتوقع جهودا بقيادة الأمير لتنسيق السياسات النفطية بين أهم الدول المصدرة للنفط، بهدف تقليل انحدار أسعار النفط، وجعلها تدور حول 50 دولارا للبرميل.
الخلاصة
الأمير محمد بن سلمان إنسان طموح لا شك في ذلك، ويطمح ونطمح معه إلى أن نرى بلادنا وقد زادت متانة وقوة في كل جوانب الحياة من أمنية وسياسية واقتصادية وثقافية وغيرها. وفي هذه المتانة والقوة خدمة ونفع لدول مجلس التعاون ودول منظمة التعاون الإسلامي، وللسلام العالمي، نظرا لما تتمتع به المملكة من نِعَم وخصائص أعطاها الله سبحانه هذه البلاد كوجود الحرمين الشريفين.
وفي الختام، بدورنا نبايع ولي العهد على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر، وفي المنشط والمكره. وندعوه سبحانه أن يوفقه في مساعيه للارتقاء بالمملكة في الجوانب الاقتصادية وغير الاقتصادية. وكل الشكر للأمير محمد بن نايف على جهوده، خاصة في حفظ الأمن ومحاربة الإرهاب. هذا ونسأله سبحانه أن يزيد بلادنا وعموم بلاد العرب والمسلمين أمنا وعزة ورخاء. وتقبل الله من الجميع الصيام والقيام، وعيد سعيد للجميع.