الفروق الفردية .. وتفسير النجاح
يعيشون تحت سقف واحد، ومع أبويهم، يأكلون المأكل نفسه، ويتلقون الإرشادات نفسها، والتوجيهات، والنصائح، البيئة المنزلية واحدة، والبيئة العامة واحدة، يدرسون في المدارس نفسها، ويحظون بالمعاملة نفسها، لكن الاختلافات بينهم تبدو واضحة في بعض الجوانب، سلوكيا، وفكريا، وأخلاقيا ومعرفيا وثقافيا. هذه الاختلافات تثير تساؤلا جوهريا: لماذا هذه الاختلافات رغم وجود قواسم تنشئة كثيرة بينهم إن لم تكن عوامل متطابقة؟
نماذج كثيرة لإخوان يختلفون فيما بينهم فربما نجدها في كل بيت، وكثيرا ما فكرت في هذه الفروق، والاختلافات، ومن مفسرات هذه الاختلافات ما يسمى في علم النفس بالفروق الفردية التي يرجع جزء منها إلى اختلافات فطرية في الذكاء، والقدرات العقلية، التي تكون سببا في تميز واحد من الأبناء دون غيره من الإخوان دراسيا، وسعة في الثقافة، ومن الأمثلة البارزة بعض الأفراد الذين يحفظون القرآن بصورة عجيبة، (رقم الآية والصفحة والسورة)، وبصورة سريعة جدا، والبعض منهم يسترجع الآية بسرعة عجيبة دونما تسلسل واتساق.
كما يوجد أفراد آخرون يحفظون الشعر، بكل مجالاته، من غزل، لرثاء، لحماسة، ومديح، وعلى النقيض من ذلك يوجد من تبرز قدراتهم في العلوم الطبيعية، كالرياضيات، والفيزياء، والأحياء، والكيمياء، وتظهر قدراتهم في سرعة حل المسائل، مهما كان تعقيدها، وحفظ المعادلات، والقوانين، إضافة إلى الإبداع، وابتكار أشياء جديدة في المجال. والأساس الفطري، كما سبقت الإشارة مهم، إلا أن الواقع يشير إلى وجود أفراد مستوى ذكائهم عال جدا، لكن نجاحاتهم محدودة، ولا تتناسب مع مستوى القدرات العقلية التي يتمتعون بها، وهذا يعني أن عوامل أخرى لها دورها في تحقيق النجاح والإبداع في أي مجال من المجالات، وبما لا يتناسب مع مستوى ما حباهم الله من قدرات عقلية عالية، فصاحب الذكاء العقلي قد يتفوق في كرة القدم، أو في الفن، وهذا يتفق مع طرح نظرية الذكاءات المتعددة لجاردنر.
في البيت نفسه يختلف الإخوان، وأحدهم يميل للقراءة، وآخر ينشط في الخدمات الاجتماعية، والإغاثية، وثالث يهتم بالرياضة ومولع بمتابعة المباريات، وأخبار اللاعبين، بل يحفظ تواريخ المناسبات الرياضية، ونتائجها، مهما كان تاريخها، أو الأطراف المشتركة فيها، كما يلاحظ على البعض الجدية في تعامله، فهو منظم، دقيق في مواعيده، اهتماماته تركز على أمور جوهرية كما يعتقد. وعلى النقيض من ذلك يوجد من تكون اهتماماته مركزة على الأمور الشكلية، ماذا يلبس، وكيف يلبس، نوع الساعة، أو السيارة، وقصة الشعر، وطريقة الكلام، مع ما يترتب على هذا من آثار في التعامل مع الآخرين، والدور الذي يضطلع به على الصعيد الاجتماعي. مثال حقيقي شخص لديه ابنان أعطى كل واحد منهما المبلغ نفسه من المال أحدهما استثمر المبلغ ونماه حتى تكون لديه مبلغ ضخم وأصبح من أصحاب الثروة في المجتمع، بينما أخوه الذي حصل على المبلغ نفسه صرفه في أمور شكلية ولم يستثمر المبلغ بالشكل الصحيح بل صار يعمل عند أخيه.
يضاف للقدرات العقلية خصائص الشخصية، متمثلة في الميول، والدافعية، والثقة بالنفس، ومفهوم الذات المتشكل لدى الفرد، وخاصية التوكيدية، إضافة إلى نمط الشخصية المنطوي، والمنبسط وهو ما ينعكس على العلاقات والانفتاح على الآخرين أو الانغلاق على الذات والانسحاب، وعدم المشاركة في المناسبات الاجتماعية. الاهتمامات، والميول، والمهارات، والقدرات التي توجد عند أي فرد تشكل أسسا للتكامل الذي يشكل منطلقا للنمو في أي مجتمع، ولذا لا يمكن إسقاط أي نشاط، أو رغبة، أو ميل، لما لكل هذه الأشياء من أهمية بالغة في سيرورة الحياة «ليتخذ بعضهم بعضا سخريا»، فوفق قاعدة التكامل، الجميع يخدم الجميع، حتى وإن كان هناك تفاوت في المراكز التي يحتلها كل فرد، والجميع يفترض أنهم يخدمون الأهداف نفسها، بغض النظر عن نسبة التأثير التي يحدثها كل فرد، مهما كان مستوى تعليمه، ومهاراته، ونوع الاهتمامات التي تتوافر لديه.
الثقافات المنزلية وبالأخص ثقافة الوالدين والإخوة الكبار لها تأثيرها في الإخوة الأصغر، فما يسمعونه، أو يرونه من أبويهم، أو إخوانهم له تأثيره في الطموحات التي تتشكل لديهم، فقد تكون الطموحات عالية، أو محدودة بتأثير الثقافة البسيطة التي تقبل بالقليل، بينما ثقافة أخرى تغرس في أبنائها طموحات كبيرة، وذلك يرفع من الهمم التي تسعى لتحقيق الأهداف، مهما كانت التحديات التي تواجه أصحابها. النجاح ليس له عامل وحيد دون غيره بل قد تشترك فيه عدة عوامل أو عامل له تأثير قوي عند فرد دون آخر.