كيف ستنتهي أزمة قطر؟
حينما تنفجر الأزمات السياسية العاصفة في دولة ما من الدول، فإن المراقبين لا يبحثون في أسبابها بقدر ما يبحثون في كيف ومتى تنتهي الأزمة؟!
وبالنسبة للأزمة المعروفة في الأوساط الإعلامية باسم "أزمة قطر".. بدأ المراقبون يضعون سيناريوهات انتهائها، فمن قائل إنها ستنتهي بتداعي نظام "حمد/ تميم"، وضعفه وربما سقوطه، ومن قائل إن الأزمة ستنتهي برضوخ نظام "حمد/ تميم" للشروط العشرة التي وضعتها الدول الأربعة السعودية ومصر والإمارات والبحرين، ومن أهم بنود الشروط العشرة تعهد دولة قطر بعدم رعاية الإرهاب والإرهابيين، وعدم دعم منظماته التي تنتشر في مناطق مختلفة من العالم، كذلك من أهم الشروط قيام حكومة قطر بتسليم قائمة من الإرهابيين التي تأويهم وعلى رأسهم الشيخ القرضاوي الذي وظف فكره الديني المنحرف ليبث بذور الفتن والضلال بين المسلمين في الدول العربية والإسلامية كافة.
ومن وجهة نظرنا، فإن سقوط حكومة "حمد/ تميم"، نستبعده ونرجح الخيار الثاني وهو رجوع الحكومة القطرية عن غواياتها، لسبب مهم وهو أن الدول الأربعة السعودية ومصر والإمارات والبحرين لم تراهن على الخيار العسكري لإسقاط النظام القطري، كما كانت تعتقد الحكومة القطرية التي ركضت نحو تركيا ودفعت لأردوغان لإرسال قواته العسكرية لحماية الحكومة القطرية المتداعية من غزو الجيران، وأيضا نستبعد هذا الخيار لأنه لا توجد معارضة قطرية جاهزة ومتماسكة لتسلم السلطة وإدارة شؤون البلاد.
وسواء انتهت الأزمة بسقوط نظام "حمد/ تميم"، أو انتهت برضوخ النظام لشروط الدول الأربعة، فإننا نرجح انتهاء الأزمة في الأمد القصير، ولا سيما أن الولايات المتحدة تحركت لإجبار الحكومة القطرية بعدم رعاية الإرهاب والتوقف عن دعم المنظمات الإرهابية والاصطفاف مع الدول العربية والإسلامية الموقعة على قرارات قمم الرياض من أجل تحقيق السلم والأمن في ربوع المنطقة، التي عانت ويلات الإرهاب لفترة طويلة بسبب الدعم الذي تلقاه المنظمات الإرهابية من الدول الداعمة، وحان الوقت لقيام جميع دول المنطقة وبالذات الدول الموقعة على قرارات قمم الرياض، ومنها دولة قطر بأدوار تهدف إلى دعم الاستقرار في المنطقة والاضطلاع بتنفيذ مقررات القمة الإسلامية العربية الأمريكية التي عقدت في الشهر الماضي في العاصمة الرياض.
وبصرف النظر عن التصريحات النارية التي يطلقها الشيخ تميم، فإن تهمة الدولة الراعية للإرهاب أصبحت دوليا تهمة عالقة بالحكومة القطرية، ولها إثباتات وشواهد دامغة لا يمكن إزالتها إلا بانتهاج سياسات حقيقية واضحة بعدم رعاية القيادات الإرهابية وعدم دعم المنظمات الإرهابية.
وواضح أن في يد الدول الأربعة "السعودية ومصر والإمارات والبحرين" كثيرا مما تستطيع عمله إقليميا ودوليا حتى تجبر الحكومة القطرية على التراجع عن سياسة إيواء الإرهابيين ودعم منظماتهم، ونذكر على سبيل المثال أن في يد الدول الأربعة المطالبة بإصدار قرارات إدانة أو تجميد عضوية دولة قطر في مجلس التعاون الخليجي وفي جامعة الدول العربية وغيرهما من المنظمات الإقليمية الأخرى، وفي يدها أيضا تقديم بعض المسؤولين القطريين للمحاكم الدولية بتهمة ممارسة ودعم أعمال إرهابية حتى تمتثل قطر لقرارات قمة الرياض التي اكتسبت اعترافا وترحيبا دوليا من جميع المنظمات الدولية وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة. وأمام هذه التهم الثابتة التي يبغضها المجتمع الدولي وتدينها المنظمات الدولية، فإنه ليس أمام حكومة "حمد/ تميم" إلا إبعاد التهمة عن الحكومة حتى لا تصبح قطر وحيدة في مواجهة المجتمع الدولي الذي يستجمع كل قواه حاليا لمحاربة الإرهاب والإرهابيين في كل مكان من العالم.
ولذلك حتى تستطيع الحكومة القطرية إبعاد تهمة الدولة الراعية للإرهابيين والداعمة للمنظمات الإرهابية، فإن عليها أن تسلم بالشروط العشرة التي وضعتها الدول الأربعة وتسلم كل المطلوبين الذين يعيشون في قطر ويحتمون بحمى حكومتها، وكذلك تتوقف تماما عن دعم المنظمات الإرهابية.
إن الخطأ الجسيم الذي ارتكبته الحكومة القطرية هو إنها تريد أن تلعب دورا أكبر من إمكاناات الدويلة الصغيرة، فاتخذت للأسف طريق دعم الإرهاب والإرهابيين، وهو طريق وعر وخطير على مستقبل الدولة نفسها، علما بأن الدولة الصغيرة ممكن أن تلعب دور الدولة الكبرى بأساليب بناءة لا يرفضها المجتمع الدولي، بل يدعمها ويشيد بها، ونأخذ على سبيل المثال سنغافورة التي كبرت عن طريق المساهمة في بناء الحضارة الإنسانية وارتقت بشعبها إلى أعلى المراتب وأصبح معدل الدخل الفردي في سنغافورة من أعلى دخول الأفراد في العالم.
وفي ضوء ذلك لا نتوقع أن تبقى حكومة "حمد/ تميم" على قيد الحياة إلا إذا غيرت سياساتها الحاضنة للإرهابيين والداعمة للمنظمات الإرهابية وحكمت العقل والمنطق، فالعالم كله يكتوي بنار الإرهاب ويقف صفا واحدا في مواجهته ومواجهة الدول التي تأوي قياداته وتدعمه، ولا أتصور أن الحكومة القطرية لديها إمكانات الوقوف في مواجهة كل دول العالم.
وإذا رجعنا إلى التاريخ نلاحظ أنه لا يوجد في التاريخ القديم والحديث أن الدول الراعية للإرهاب ظلت تدعم الإرهاب إلى ما لا نهاية، لأن سياسة دعم الإرهاب كثيرا ما ارتدت إلى صدر الدولة الراعية للإرهاب والداعمة للإرهاب، ويشهد التاريخ أن كل الدول التي رعت الإرهاب انهارت بفعل الإرهاب.
إن الكرة الآن في ملعب حكومة "حمد/ تميم" وعليها تحكيم العقل والمنطق والعودة إلى الجادة، فالطريق الذي تتمسك به طريق وعر وخطير على مستقبل هذه الدولة، التي يعز علينا خروجها على وحدة الصف والكلمة.