التعليم .. القيمة المضافة
القيمة المضافة مصطلح اقتصادي، يهتم بتعظيم الأرباح التي تعود على أصحاب رؤوس الأموال، والشركات، بعد حساب تكلفة تشغيل الأموال، وبعد حساب الضرائب في البلدان التي تطبق نظام الضريبة، وهي مقياس يستخدم لمعرفة واقع الشركات، من حيث الربح، والخسارة، حيث ينكشف واقع الشركات للجمهور الذي يرغب في شراء أسهم شركة من الشركات، ويعبر عن القيمة المضافة رياضيا وفق معادلة صافي الربح التشغيلي بعد خصم الضرائب ــــ تكلفة رأس المال المستخدم.
لست اقتصاديا حتى أتناول هذا الموضوع بالتفصيل، لأني لن أتمكن من ذلك، لكني أردت أن أستخدم الموضوع في مجال التربية والتعليم الذي هو حقلي الأساس تخصصا وممارسة لسنين طويلة بين التدريس، والإدارة، والبحث، والتأليف. ولعله من المناسب أن أطرح السؤال الآتي: هل توجد قيمة مضافة للتربية والتعليم؟ وما هي؟ وما المقياس الذي يمكن استخدامه لمعرفتها؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى مفهوم جودة التعليم، الذي يشكل أساسا للقيمة المضافة. كل دول العالم فيها تعليم لكن الدول تختلف في نظمها التعليمية، وفي الإمكانات المتوافرة للتعليم سواء كانت بشرية، أو إدارية، أو تقنية، أو في البنية الأساسية للمدارس والجامعات والمعاهد العليا. هذا التفاوت له دور كبير في تحقق الجودة من عدم تحققها، ومن ثم في القيمة المضافة المترتبة على النظام التعليمي.
ما من شك أن للتعليم قيمة مضافة تفوق أي قيمة مضافة لأي مجال من المجالات، فإذا كانت القيمة المضافة في مجال الاقتصاد تتمثل بشكل رئيس في الأرباح المالية الصافية فإن القيمة المضافة للتعليم تشمل الربح المالي في المجال الاقتصادي، لكن لها أوجها أخرى، فالوعي الذي يحققه أبناء المجتمع في مجالات الحياة المتعددة، ورصيد الثقافة المتشكلة تمثل صورة من صور القيمة المضافة للتعليم.
إن اكتساب قيم من مثل حب العمل، واحترام الوقت، والمواعيد، وقيمة احترام الآخرين، وآرائهم، ونظم حياتهم، حتى وإن اختلف المرء معهم في العقيدة (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم). القيمة المضافة للتعليم تتمثل أيضا في المحافظة على الثروات المتوافرة بدل تبذيرها وصرفها في غير مواضعها المناسبة، وتتجلى هذه القيمة المضافة في إدراك أن ما ينفق في غير مكانه الطبيعي لن يعود ثانية، ويرتبط بهذه القيمة المحافظة على الممتلكات العامة بدل تدميرها وسوء استخدامها. القيمة المضافة للتعليم تتمثل في وصول المجتمع إلى مستوى الاكتفاء الذاتي على أقل تقدير في الأمور الأساسية، كتوفير عناصر المعيشة الكريمة لأفراد المجتمع، واستكمال البنية التحتية، إضافة إلى توافر الأمن والاستقرار، وحماية الوطن من العدوان الخارجي بالاعتماد على أبناء الوطن وما ينتجونه من سلاح وذخيرة، ومواد أساسية لا تكون الحياة الكريمة دونها.
القيمة المضافة للتعليم تتمثل في قدرته على تحريك المجتمع من خانة الاعتماد على الآخر إلى خانة الاعتماد على ما ينتجه أبناؤه في المجالات كافة، لكن هذا مرتبط بتحويل أبناء الوطن إلى كفاءات تجد مكانها في منظومة العمل لتوظف معرفتها ومهاراتها في خدمة مجتمعها، ومناط هذا الهدف مرتبط باكتساب المعرفة أينما وجدت "اطلبوا العلم ولو في الصين"، ودونما تحديد لعمر "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد".
إنتاج المعرفة، ومقارعة الآخر في الإضافة للمعرفية العالمية يمثل حقلا تتسابق فيه الأمم، ولذا نجد المنتجات المعرفية تجد طريقها من خلال البحوث والدراسات الحديثة، وتتمثل في تحويل بعض المعارف إلى منتجات مادية على شكل تقنية وأجهزة وأثاث، ووسائل مواصلات، واتصالات، وأدوية، وأغذية، وتطوير في النظم التي تسير حياة الناس في المرافق كافة.
إن القيمة المضافة للتعليم ذات أوجه مادية ومعنوية ترتسم في حيوية المجتمع، وتفاعله مع المتغيرات الدولية وحضوره على الساحة الدولية مؤثرا، ومتأثرا مع محافظته على ثوابته ومبادئه.
مقاييس القيمة المضافة للتعليم تتمثل في عدة أمور منها نسبة مشاركة المجتمع في صناعة المعرفة العالمية، ومنها مستوى المعيشة المرتفع مقارنة بالآخرين، ومنها جودة الخدمات الصحية التي يتولاها أبناء الوطن وفق المقاييس الدولية، ومنها انتشار المنتجات الوطنية في أسواق العالم، فعلى سبيل المثال الصين، وأمريكا، واليابان، وألمانيا، وبريطانيا، وكوريا، توجد بضائعها في أسواق أوطان عدة.
استطلاعات الرأي تمثل أحد مقاييس القيمة المضافة للتعليم، كما تتمثل في قدرة الناس على التعبير عن مشاعرهم الحقيقية ودونما تردد أو خوف إزاء القضايا التي تهم وطنهم، ما يدل على نضج التفكير وسلامة التوجه.