رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كتاب الحاسة السابعة

قرأت كتاب الحاسة السابعة The seventh sense لجاشوا كوبر رامو مدير مكتب هنري كيسنجر للاستشارات الذي صدر قبل نحو سنة. الكتاب عن عصر تسيطر عليه الشبكات وتشكيل القوى الجديدة والمخاطر والفرص في عصر مختلف. بدأت الشبكة العنكبوتية حين أرادت المؤسسة الأمنية والدفاعية في أمريكا التمكن من التواصل في حال حدثت حرب ذرية مع الاتحاد السوفياتي وتم تدمير شبكة الهاتف، استطاعت المؤسسة بالتعاون مع عدد من العلماء التوصل إلى فكرة إرسال المعلومات على صيغة جزيئات إلكترونية من طرق مختلفة ليعاد تجميعها وقراءتها عن الطرف الآخر في اختلاف نوعي عن شبكات الهاتف التقليدية. كان هذا في نهاية الستينيات من القرن الماضي إلى أن وصلت الشبكة العنكبوتية للعامة في أواسط التسعينيات. يصف الكتاب دور وسيطرة الشبكات على مفاصل القوة في المجتمعات المتقدمة أولا وعالميا ثانيا. انتقلت مصادر وأقطاب القوة من المؤسسات إلى الشبكات بما يحمل ذلك من عدم توازن جديد حيث لم يتكون نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي في وئام مع التحولات الجديدة. أحد مظاهر العصر الشبكي دور المنظمات الإرهابية في استغلال الشبكات للتجنيد والتعليم والتعلم والإعداد وبعضها تجاري مثل نجاح "جوجل" و"أمازون" وبعضها معلوماتي وتعليمي.
يعيش العالم حالة تشكل جديدة إذ إن طبيعة الشبكة تتغير مع كل مشارك جديد وتختصر الوقت والمسافة إلى حد تغيير توبوغرافية العالم وعناصر النفوذ وحدود القوة، فلم تعد المسافة والوقت عاملين مختلفين بل تم اختزالهما في بعد واحد ما غير نواحي الحياة التجارية والمالية والاجتماعية والسياسية. يذكر الكتاب أن ما يحدث في العالم مع سيطرة الشبكات مثل ما حدث للعالم على أثر العصر التنويري في أوروبا حين تحرر العالم بسبب إصلاحات مارتن لوثر والعلم والثورة الصناعية التي أزالت وضعا اجتماعيا سياسيا إقطاعيا إلى حالة أكثر انفتاحا ومصلحة لأعداد أكبر. عصر الشبكات عصر آني (الجمع بين المسافة والوقت) في توافر الخدمة (التجارية والمالية والصحية والمواصلات وغيرها من نواحي الحياة المدنية). من علامات العصر أنه كلما توافرت الخدمة زادت المخاطر وتكلفة الحفاظ عليها وإمكانية خسارتها دفعة واحدة على أثر الانفصال من الشبكة.
هناك تحولات مهمة على أكثر من صعيد بسبب تغير مصادر القوة في المجتمع. فهناك مجتمعات ستملك "البوابات" للدخول في الشبكة وهناك مجتمعات ستكون داخل الشبكة وهذه ستحدد مثل ما نجحت بعض الأمم في الدخول في عصر الصناعة والعلم والبعض فشل. وهناك تغير في دور المؤسسات، وهناك تغير في النواحي التوزيعية إذ من خصائص العصر أن المنتصر يستحوذ على حصة الأسد تجاريا وماليا كما يحدث مع شركات التقنية العملاقة الآن. وهناك تغير قادم في دور الذكاء الصناعي إذ يخوض الكتاب في تعريفاته واحتمال مخاطره خاصة أن القدرات المعلوماتية واستخلاص التجارب من الحالات التاريخية سيكون أسهل للإنسان الآلي حين يسعى بقوة للتفكير المنطقي ذي التوجه الواحد حيث يستريح الإنسان ولكن الآلة المجهزة بالمراجعة وإعادة الحسابات لن تتوقف لذلك ستصل إلى تحليل واستعداد لتحقيق ما لا يستطيع الإنسان. هناك المخاطر من صراع مختلف بين الشبكات وكل من يحاول استغلالها لأي غرض.
الكاتب اهتم بالثقافة الصينية وعاش آخر عشر سنوات هناك وتعلم الصينية ولذلك حاول ضخ تجارب الصين التاريخية في تقدير وقياس الحكمة في التعامل مع التغيرات ومقارنة ذلك بالتجربة الغربية، فمثلا يذكر أن الأمريكي عادة يكون مهووسا بتحقيق الهدف ولكن الصيني يبدأ بالسؤال عن البيئة المحيطة ودراستها ويأتي للهدف بطريقة غير مباشرة.
أعتقد أن الكتاب جيد لم يرد أن يتعرف على طبيعة تحولات العصر ولكن الكتاب بالغ في نواح معينة مثل الاهتمام بالصين إذ لم يكن واضحا إذا الاهتمام مصدره الخوف الغربي من تفوق الصين خاصة أنه مدير مركز استشاري سياسي غربي أم أنه عشق فرد غربي لحكمة الشرق خاصة أنه أبدى اهتماما بالفلسفة الصينية. قد لا يكون هناك تناقض، ولكن ليس واضحا. بالنسبة لنا بدا لي واضحا أن هناك حاجة قوية إلى الربط الشبكي لكل بيت ومنشأة تجارية وحكومية إذ إن هذه هي البنية التحتية للعصر الجديد وكذلك الحاجة إلى البناء المعلوماتي وإجادة الربط مع الشبكات العالمية خاصة أن المملكة ليست بلدا كبيرا مثل الصين أو الهند أو أمريكا ولكنها من الحجم والأهمية تستطيع تكوين استراتيجية معلوماتية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي