البيان الرباعي .. حلف عربي يصد أطماعا بوابتها قطر

البيان الرباعي .. حلف عربي يصد أطماعا بوابتها قطر

تداعيات متواترة فرضت نفسها على الساحة الإقليمية والدولية منذ الخامس من يونيو الماضي، وذلك بعد أن اتخذت أربع دول عربية كبيرة قرارها بقطع العلاقات مع دولة قطر، وكانت كل دولة من الدول الأربع قد أصدرت بيانًا منفصلا يحمل المبررات الكافية، وفقًا لما طالته كل منها من اختراقات لكيان دولتها الوطنية، وما مس كل منها من ضرر بالغ جراء الانتهاكات والاختراقات القطرية المستمرة لسيادة كل منها وأمنها القومي.
وسط كل ذلك، واستكمالا "لعدم رشادة ردود فعل النظام القطري منذ انعقاد القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي انعقدت في الرياض"، وفقا للباحث أحمد ناجي، فقد سارع النظام القطري بإعلان عدم إدراك مخاطر الذهاب بعيدًا عن تحمل المسؤولية فيما حدث، وبدلا من أن يستجيب لوساطات دول عربية تحاول رأب الصدع الذي سببته السياسات العدوانية القطرية الرامية لتهديد هوية الدولة الوطنية في البلدان التي استهدفت عبر مشروع تقسيم المنطقة العربية . وبدلا من أن تحاول أن تتفهم أنها على طريق الانعزال التدريجي بالفعل بعد أن اتخذت مملكة الأردن والمملكة المغربية خطوات تمهيدية مختلفة على طريق التصعيد نحو نقطة قطع العلاقات في إشارة إلى أن هناك إدراكًا عربيًا بدأ يتزايد بمخاطر تهديد النظام القطري. سارع النظام القطري مجددًا إلى الارتماء في ملعب السياسات التي تخدم أهداف إيران وتركيا، وشهدت الساعات الأخيرة تبادل زيارات وساطة عربية رفضها النظام القطري، إضافة إلى زيارات أمنية وعسكرية وتنسيقات مشتركة في الإطارين السابقين يبدو أنهم الأكثر تفضيلا لديه.
ولعل ذلك ما ترجم في إعلان تركيا عن إقرار برلمانها لاتفاق عسكري مع قطر يتيح لها نشر قوات عسكرية فيها، إضافة إلى ما تناقلته مواقع إخبارية عن انتشار قوات الحرس الثوري الإيراني داخل القصر الأميري القطري. 
وبغض النظر عما سبق، جاء البيان العربي المشترك ليجمع إرادة الدول الأربعة العربية، وليؤكد بحسب ناجي، رئيس تحرير دورية "السياسة الدولية"، على مجموعة من الحقائق:
1. البيان يتضمن التزاما واضحًا من الدول الأربع باستراتيجية مكافحة الإرهاب التي تم تقديمها في مؤتمر الرياض والتي أقرت كوثيقة في مجلس الأمن، وذلك بمحاورها الأربعة الرئيسة، وهو الأمر الذي يعكس إدراكًا من القيادة السياسية في الدول الأربع بمؤسسية تحركاتها على الأرض، وأنها تتحرك وفقًا لالتزامات تفرض على الولايات المتحدة الشريك الرئيس في مؤتمر الرياض أن تفعل من دورها، وأن تبتعد عن الضبابية التي باتت تستخدم كمبرر للنظام القطري لعدم الانصياع للإرادة العربية.
2. إفصاح الدول الأربع أن قرارها الأخير لم يأت كرد فعل على سياسة أو إساءة معينة بحق دول وحكام عرب، حاول النظام القطري أن يشخصن الأزمة من خلال أطروحات تروج لذلك عبر أذرعته الإعلامية المتعددة التي تدعمها الجماعة الإرهابية الأكبر عبر أكبر شبكة للتفاعل بين المواقع الإخبارية والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي. وحمل البيان الإشارة إلى الجهود العربية المتواصلة منذ اتفاق الرياض 2013 والاتفاق التكميلي له في مارس 2014 والخروقات القطرية المستمرة له.
3. يحمل البيان إشارات واضحة على نجاح التعاون الأمني والمخابراتي بين أجهزة المعلومات في الدول الأربع في تحقيق نجاحات في كسب تأييد أجهزة ودول أخرى تجاوبت مع منطقية المعلومات المتوافرة لديها، وهو الأمر الذي عبرت من خلاله الدول الأربع عن شكرها وامتنانها لهذه الدول، وذلك كبادرة لكسب وتشجيع مزيد من الدول على تبني نفس المواقف الثابتة من دولة توافرت المعلومات الموثقة عن اضطلاعها بدعم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية وفقًا لمحاور الاستراتيجية المصرية.
4. أثبت الكشف الأولي الذي تعهد بيان الدول الأربع بأنه سيتم تحديثه عن أسماء 59 شخصية و12 كيانًا، تمثل القائمة الأولية، وهي تحمل الأسماء الأكثر خطورة في تبني الأفكار المتطرفة والتي تعمل على نشرها عبر شركات تقدم حلول وخدمات الإنترنت، والمؤسسات الخيرية، ومنظمات العمل الأهلي الخيري، والحركات التي حاولوا أن يصوروها كحركات تحرير ومقاومة ودفاع، وذلك وفقًا لمسميات تغطي على الأهداف الحقيقية لتأسيسها.
وفي هذا الإطار، يشير ناجي إلى أن القائمة شملت 26 اسما مصريا هم من العناصر الأكثر خطورة والمنتمين لتنظيم الإخوان الإرهابي والجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد، وهذه الأسماء معظمها كان في السجون وتم الإفراج عنه أو عاد إلى أرض الوطن إبان فترة حكم التنظيم الإرهابي لجمهورية مصر العربية.
أخيرًأ، تجدر الإشارة إلى أن تواتر الأحداث ما بين الرشادة التي تحكم عمل المؤسسات والأجهزة التنفيذية في الدول الأربعة، فإنها تقابل من الأطراف الأخرى الفاعلة مباشرة في الأزمة بإجراءات تصعيدية وعدائية، وهو أمر من المؤكد سيلقي بتبعاته على موقف كل من القوى التي دخلت إلى ساحة الأزمة رغبة في الحفاظ على مكاسب، سواء على حساب النظام القطري، أو على حساب الوطن العربي، والذي تتولى الدفاع عنه وعن هويته القومية التي تقوم في الأساس على الحفاظ على الهوية الوطنية لكل دولة فيه الدول العربية الكبرى الباقية فيه. والمؤكد، أن تركيا بهذا التدخل السريع تريد أن تنقذ شريكها الرئيس، في مقابل إحياء حلم الخلافة العثمانية، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على النموذج الإيراني الذي له الأهداف نفسها ولكن من منظور فارسي. والغريب أن الطرفين التركي والإيراني يمران عبر البوابة القطرية، فيما تبقى إسرائيل المستفيد الوحيد في مقعد المتفرج، بعد أن أشعلت النيران باجتذابها حكام قطر منذ سنوات طويلة ماضية وإخضاعهم لرغباتها التي لا تبتعد كثيرًا عن التركية والإيرانية. وتبقى الأيام القادم كاشفة لمدى تماسك إرادة الدول العربية الأربع، وقدرتها على عرض قضيتها بعدالة أمام المنظمات الدولية والإقليمية واجتذاب المزيد من دول العالم الأكثر تأثيرًا لصفها على طريق قصر أو طال، سيكشف أمام الجميع كيف كانت قطر البوابة لتمرير طموحات قوى إقليمية ودولية في جسد الوطن العربي المريض.

الأكثر قراءة