رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«رؤية 2030» تطالب الوزراء بأعلى درجات الجودة والإنتاجية

تعلق الحكومة آمالا كبيرة على الموظف الحكومي في تنفيذ "رؤية السعودية 2030"، لكن الملاحظ ـ بصورة عامة ـ أن أداء الموظف الحكومي هو الأضعف في منظومة الدولة بشكل يعرقل الوصول إلى مستهدفات "رؤية السعودية 2030" في المواعيد المقررة لها. إن دراسة الجودة في أداء الخدمة دائما تأتي من خلال التكلفة، فإذا زادت التكلفة فإن الخدمة يجب أن تكون عالية، أما إذا انخفضت التكلفة فإن الخدمة تكون متدنية ومتواضعة.
ولكن بالنسبة إلى الخدمات الحكومية فإن المعادلة معكوسة تماما، بمعنى أن تكلفة الخدمات الحكومية عالية جدا، ومع ذلك فإن خدماتها متدنية، بل أحيانا متدنية جدا!
هذه المعادلة المعكوسة كثيرا ما حيرت علماء الإدارة العامة، وهم لذلك يعيشون في حالة سؤال دائم: لماذا الميزانية السنوية لوزارة الصحة تتعدى مليارات الدولارات، ومع ذلك فإن الخدمة الصحية في المستشفيات الحكومية في أدنى المستويات، في مقابل ميزانيات متواضعة وخدمات صحية أفضل في مستشفيات القطاع الخاص، ولماذا ميزانية وزارة البلديات تلامس مليارات الدولارات ومع ذلك تقدم خدماتها بروائح الفساد والتخلف، ولماذا ميزانية وزارة التعليم تناطح الأرقام الفلكية مع أن التعليم الخاص يسبق بمراحل التعليم العام، ولماذا ميزانية وزارة الثقافة والإعلام تتجاوز المليارات ومحطاتها الفضائية تتراجع كثيرا إذا قارناها بفضائيات الشرق الأوسط وغيرها من الفضائيات الخاصة التي تنتشر في السموات المفتوحة!
ونذكر على سبيل المثال إذا ذهب المريض إلى مستشفى حكومي فإنه يلقى خدمة متدنية ومتواضعة، لكن إذا ذهب إلى مستشفى خاص فإنه يلقى خدمة أفضل، وإذا ذهب المراجع إلى البلديات فإنه يفاجأ بخدمات سيئة، لكن إذا كانت الخدمة البلدية تقدم من خلال مرفق خاص، فإنها تتميز بالجودة وحسن الأداء، وإذا ذهب المواطن إلى مصرف حكومي فإنه يلقى خطا طويلا من الروتين المعقد، بينما إذا ذهب إلى مصرف يتبع القطاع الخاص فإن أموره تتم في يسر وسهولة، وقس على ذلك الطلاب في المدارس الحكومية والطلاب في المدارس الخاصة، وقس على ذلك فضائيات القطاع العام وفضائيات القطاع الخاص!
أنشطة كثيرة في حياتنا تعبر عن تواضع أداء المؤسسات الحكومية التي تكلف الدولة كثيرا مقابل خدمات أفضل يقدمها القطاع الخاص بتكلفة تقل كثيرا عن تكاليف القطاع الحكومي!
في أتون هذه المعضلة التي تعانيها كل الحكومات في كل أنحاء الدنيا، تصدى مشروع قمة الحكومة التي تعقد اجتماعاتها سنويا في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتوصلت القمة إلى ضرورة إعادة النظر في الموروث الإداري المتعفن، وذلك من خلال إعادة هيكلة الإدارة العامة، أي ضرورة إخراج الخدمات الحكومية من سجن أداء الخدمات المجانية إلى فضاء أداء الخدمات المفوترة، أي أداء الخدمات مدفوعة القيمة والفاتورة المحققة للربح، مثلها مثل الخدمات التي يقدمها القطاع الخاص في السوق بهدف الربح.
من ناحيته، فإن ديفيد أسبور الفقيه الإداري حمل معول هدم الطقوس الإدارية القديمة التي ظلت لسنوات طويلة تسلم بأن الحكومة هي التي تقدم الخدمات المجانية للناس دون مقابل ودون تحقيق أرباح تذكر، وكانت النتيجة ـ مع الأسف الشديد ـ غياب الرقابة والمساءلة والنزاهة حتى توارثت الإدارة الحكومية كل أمراض الفساد الإداري والمالي! أي أن أسبورن أطلق العنان للخدمات الحكومية وجعلها في حالة تنافس مع الخدمات التي يقدمها القطاع الخاص، لأنه يرى أن الحكومة يجب أن تربح مثلها مثل القطاع الخاص، ويجب أن تقدم الخدمة من خلال التكلفة، ويجب أن ترتقي الخدمة الحكومية إلى أعلى المستويات، ويجب أن نطبق موازين الجودة العالية على الخدمات الحكومية طالما أن الحكومات تدفع أعلى التكاليف.
وإزاء هذه الرؤية الثاقبة، فإن أسبورن يتطلع إلى حكومة تخصخص خدماتها، وحكومة مساندة للمجتمع، حكومة تقوم على آليات المناقشة والحوار، حكومة ذات رسالة، حكومة تدار بالنتائج، حكومة يسيرها عملاؤها، حكومة إدارة أعمال، حكومة ذات نظرة مستقبلية، حكومة لا مركزية، حكومة مشاركة، حكومة مسيرة بعوامل السوق والمنافسة.
ولذلك فإن مفهوم تطوير الإدارة العامة ينطلق من الفكرة التي تقول إنه بالإمكان تحويل الجهاز الحكومي من جهاز إنفاق إلى جهاز إيراد، ويمكننا أيضا تحويل الجهاز الحكومي من جهاز تكلفة إلى جهاز يحقق الأرباح، كما ينطلق مفهوم تطوير الإدارة العامة من المقولة التي تقول إن الإدارة الحكومية مثل القطاع الخاص قادرة على التكيف مع روح العصر، وإعادة اختراع نفسها من حين إلى آخر، وإن العاملين في الحكومة ليسوا هم أساس المشكلة المتمثلة في تراجع الإنتاج والخدمات، لكن النظام الإداري هو السبب الرئيس، كما أن المشكلات التي تواجهها الإدارة في العصر الحديث ليست بسبب الإدارة الليبرالية أو الإدارة المحافظة، إنما بسبب افتقاد تلك الإدارة الفعالية والكفاءة.
ولقد شدد أسبورن على أن الإدارة الحكومية مثل إدارة القطاع الخاص لا بد أن تكون قادرة على التكيف مع روح العصر، وأن تكون أكثر انفتاحا وكفاءة، وأن تتصف بروح المسؤولية والقدرة على النمو والتغير والتطور والإنتاج والمنافسة العالمية وإعادة تجديد نفسها من وقت إلى آخر.
إن "رؤية السعودية" تطالب الوزراء بأن يؤدوا عملهم بأعلى جودة ممكنة وأعلى إنتاجية واجبة، حتى نحقق الأهداف التي حددناها في "رؤيتنا 2030".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي