رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المال .. الحب والإسراف

المال عصب الحياة، على مستوى الفرد، والمجتمع، به يتمكن الفرد من تدبير شؤون حياته، ويعيش عيشة كريمة، يقيم أسرة ويقتني منزلا. وبالمال يتعلم، ويسافر، وبالمال يفعل الخير لمن يحتاج إليه. كما أن المجتمعات تزدهر بالمال، وتنمو، تنشئ جيشا قويا يحميها من الأعداء، وبالمال تبنى المدارس، والجامعات، وتتوافر الخدمات الضرورية، والكماليات، لمن يبحث عنها. منذ وجد الإنسان على وجه الأرض وهو يسعى ليكسب من خلال المناشط التي يمكنه القيام بها، من زراعة، وصناعة، وتشييد، ونسيج، وتربية للحيوانات، والأعمال كافة، من طبابة، وتدريس وغيرها من الأنشطة.
العلاقة بين الإنسان، والمال علاقة فطرية لشعوره أن المال يحقق له ما يريد، ويشعر بالأمان، لتوافر المال بين يديه، بل إن المال يحقق القوة، والنفوذ، والوجاهة للفرد، ولذا نجد الأغنياء تكون لهم كلمتهم، ودورهم في الأوساط التي يعيشون فيها، سواء كانت قبيلة، أو قرية، أو مدينة، أو على مستوى الدولة، بل العالم، وهذا ما نشاهده بشأن الدول التي توفر لها الثراء، واستثمرته بالشكل الصحيح، الذي يحقق لها القوة، والنفوذ على مستوى العالم، ولعل أمريكا تمثل نموذجا تحقق لها المال ففرضت سياستها على الصعيد العالمي، لأنها استثمرت المال في بناء أدوات الردع، إن لم تكن السيطرة على مجريات كثير من الأمور على الصعيد العالمي.
في المقابل دول توافر لها من المال الشيء الكثير، لكن سوء الإدارة أفقدها إمكانية استثماره بما يحقق لها الريادة والنفوذ، والمنعة، وإنما تحول المال في بعض الدول إلى أداة فسدت بسببه أخلاق الناس، حيث فقدوا قيمهم، ومبادئهم، واكتسبوا عادات حياتية سيئة، فقدوا معها الحيوية، والنشاط، وحب العمل حتى تحول العمل إلى عمل روتيني، يفتقد المتعة، والإنتاجية الحقيقية التي تحرك رأس المال، وتزيد الإنتاجية، وتعلي من شأن الوطن، وفي العالم نماذج عدة، في أمريكا الجنوبية، وإفريقيا، وفي عالمنا العربي الذي يزخر بثروات هائلة لم يتم استثمارها في خير الشعوب، ومصلحة الأوطان.
العلاقة كما أشرت بين الإنسان، والمال علاقة فطرية بشكل عام (ويحبون المال حبا جما) (وإنه لحب الخير لشديد)، وما من شك أن المال من الخير الذي يحبه الإنسان، ويسعى لاقتنائه، ويجهد نفسه في الوصول إليه، وهذا لعموم الناس، مع وجود من يخرج عن القاعدة، كالزهاد في كل العصور. المال قد يتحول إلى سبب للشقاء إذا لم يوفق المرء لاستثماره بالشكل الصحيح، خاصة عندما يأخذ تفكير الإنسان، ويشغله عن حياته الأسرية، وعن الاستمتاع بما رزقه الله، حتى يكون المال للبعض مصدر شقاء، ونكد يتسبب لصاحبه بالأمراض، والمشكلات الأسرية، والاجتماعية.
المال يغري كثيرا من الناس، ويجعل صاحبه محل تقرب من الآخرين، يجلونه، ويقدرونه لماله، لكن ما إن يزول المال، لأي سبب من الأسباب، حتى ينفض الذين كانوا حوله، وكأنهم لا يعرفونه. قيمة المال في الإسلام تتمثل في أمور عدة، مصدره الذي اكتسب فيه، وكيفية إنفاقه، إضافة إلى إعطاء المستحقين زكاة، وصدقات، وهبات، حتى لا يكون المال دولة، وحكرا في فئة محدودة في المجتمع، ولذا يحث القرآن على الاقتصاد، وعدم الإسراف، ولكن الاعتدال هو السبيل الأمثل "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا"، "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا".
مشكلة الإنسان مع المال تتمثل في تأثيره في نفسية الإنسان، إذ البعض يغتر بما رزقه الله، ويتكبر على الآخرين الأقل في حظهم من المال، حتى لو كانوا من أقاربه، أو أصدقائه السابقين "إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى"، الطغيان سلوك التجبر، المذموم يقود صاحبه فردا، أو دولة إلى العدوان، واستباحة الحقوق، والمحرمات، إذا لم يرزق صاحبه الحكمة في إدارته، وحسن تصريفه، ليبذل في وجوه الخير المفيدة لصاحبه، والآخرين، والذي لا يكون سببا في انحراف صاحبه، ونكران جميل الله عليه حين رزقه المال، وما قارون إلا مثال يتكرر في كل الأوطان والأزمان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي