رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل التسول حاجة أم صناعة؟

لا شك أن التكافل من الأمور المتجذرة في ديننا وثقافتنا العربية الإسلامية، فكما يُروى عن الرسول - عليه الصلاة والسلام - "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"، وكذلك "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". فالصدقات تعد من حقوق المسلم المحتاج على أخيه المسلم المقتدر، كما ورد في الآية الكريمة "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَة مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"، (سورة التوبة: الآية 60). لكن مع تطور تنظيم المجتمعات وتنامي دور مؤسسات المجتمع المدني، أصبحت المسؤولية تقع على هذه المؤسسات أكثر مما قبل!
يستوقفني ويؤلمني في الوقت نفسه أن أرى أعدادا كبيرة ومتزايدة من المتسولين في الأسواق، وعلى أبواب المساجد، وعند إشارات المرور تحت حرارة الصيف الحارقة، ويؤلمني أكثر عندما أرى أطفالا في أعمار الزهور يضطرون - تحت ضغط أسرهم - إلى استعطاف الناس واستجداء مساعدتهم، ما يغرس قيما "غير مناسبة" في نفوس هؤلاء الصغار، ويسرق منهم الاستمتاع بطفولتهم. إلى جانب ذلك يثير الاستياء رؤية رجال في سن الشباب، وتبدو عليهم مظاهر الصحة والقدرة على ممارسة أي عمل!
وحول هذه ظاهرة "التسول" يبرز في أذهان الناس عديد من التساؤلات المتضاربة، منها: هل الدافع وراء هذا السلوك حاجة اضطرارية أم أن التسول أصبح صناعة وسبيلا مغريا لطلب الرزق؟ وهل هؤلاء المتسولون من الوافدين أم من المواطنين؟ وأخيرا هل هؤلاء المتسولون قادرون على العمل أم عاجزون عن ممارسته؟
كما يبدو أن الأغلبية من جنسيات غير سعودية، وفيهم الأطفال، وفيهم الكبار القادرون على العمل. بخصوص المتسولين السعوديين، فإن الأمر يتطلب إجراء دراسات جادة وتحريات دقيقة لمعرفة أسباب اللجوء إلى التسول بأعداد كبيرة ومتزايدة خلال شهر رمضان المبارك على وجه الخصوص، فهل هو نتيجة عدم قيام الجمعيات الخيرية بواجبها تجاه هذه الفئة الفقيرة، أم أن مخصصات الضمان الاجتماعي لا تفي بالاحتياجات الضرورية للأسر؟ أم أنه الإغراء، خاصة مع زيادة ميل معظم الناس نحو العطاء خلال شهر رمضان المبارك؟
من الأمور التي لا يختلف عليها اثنان أن مساعدة الأسر المحتاجة لا ينبغي أن تقتصر على المساعدات المالية والعينية، بل من الضروري أن تمتد إلى مساعدات "معنوية"، تتمثل في بناء القدرات، فالمثل الصيني يقول "لا تعطني سمكة، لكن علمني كيف أصطاد السمك". ولبناء قدرات الأسر وتمكينهم من الإسهام بفاعلية في المجتمع، يتطلب الأمر إيجاد برامج نوعية ومعلنة يمكن للأفراد الانضمام إليها والاستفادة منها دون عناء وبيروقراطية. كما ينبغي أن يتبنى الضمان الاجتماعي برامج لرفع قدرات الفقراء من خلال تحفيزهم على الانضمام إلى دورات وورش عمل مناسبة، بدلا من الاكتفاء بالمخصصات المالية فقط.
بخصوص الوافدين الذين أجبرتهم الاضطرابات والحروب على اللجوء إلى المجتمعات العربية والإسلامية، فإن الموضوع يتطلب اهتماما خاصا، فهؤلاء المهاجرون المؤقتون في حاجة ماسة إلى المساعدة على توظيفهم وتشغيلهم، لكيلا تدفعهم الحاجة وسوء الأوضاع المعيشية إلى ارتكاب جرائم، مثل جريمة السرقة والجرائم الأخلاقية وغيرها. فلا ينبغي تجاهل هذه القضية الاجتماعية المهمة، خاصة مع تزايد أعداد الوافدين من اليمن وسورية والعراق.
أخيرا يبدو لي أن هناك غيابا غير مبرر لاستراتيجية أو برامج مدروسة للتعامل مع الوافدين من الدول المجاورة ومعالجة أوضاعهم والتخفيف من معاناتهم، ما يضطر بعضهم إلى "التسول"، علاوة على ذلك فإن هناك حاجة إلى تدخل علماء الدين ليكونوا جزءا أساسيا من أي حلول ناجعة لمشكلة التسول المتزايدة، التي قد تكون لها أبعاد أمنية واجتماعية خطرة على المجتمع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي