بعدما أوجدت البيت والعلماء .. «كاوست» تناقش تأثير الابتكار

بعدما أوجدت البيت والعلماء .. «كاوست» تناقش تأثير الابتكار

هناك اعتقاد شائع بأن الابتكار يأتي عن طريق الإلهام أو لحظة تجلٍ نادرة، تلك اللحظة التي صرخ فيها أرخميدس "يوريكا" بمعنى وجدتها، وفي حقيقة الأمر إن الابتكار عملية متواصلة من البحث والاكتشاف وإعادة استخدام بيانات موجودة وتحديثها للحصول على أفكار جديدة، وتغذية ماكينة الابتكار في الدماغ البشري بشكل يومي عن طريق التعلم، والملاحظة وتكوين العقلية التعاونية Corporate Mentality ضمن أفراد الفريق، وتبادل المعلومات ضمن عالم مفتوح للعقول المتفردة، وهذا يعني إعادة ابتكار أسلوب البحث العلمي بأكمله من أجل تمكين العلماء لإنتاج المعرفة واختبار جدوى الأفكار المطروحة ومشاركة نتائج البحوث الميدانية في بيئة إبداعية خلاقة مثل جامعة كاوست التي أعادت صياغة مفهوم الابتكار في اللقاء العلمي الذي أقيم أخيرا تحت عنوان "الابتكار لتأثير فعال" بهدف مناقشة فرص التعاون الفكري لمواجهة التحديات المستقبلية، بحضور مجموعة من الخبراء والقيادات في التعليم الجامعي.

صناعة الابتكار

تحدث الدكتور جان لو شامو، رئيس جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في كلمته الافتتاحية عن أهمية الشراكات المطلوبة لتنويع البحوث ومشاركة المعرفة والاستفادة من الابتكارات العلمية.
وقال الدكتور شامو: "تم إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لتكون نموذجا للتعليم والبحث العلمي المتقدم، ودعم التنمية الاقتصادية في المملكة. كما وضعت الجامعة استراتيجيتها منذ انطلاقتها على تشجيع العقول المبدعة في بيئة تشجع على الاختراع والتعاون لصنع التأثير وخدمة المجتمع".
وتعتبر الجامعات اليوم القوة الدافعة للابتكارات، والطريقة المثلى للاستفادة من مخرجات البحث العلمي وإنشاء شركات ناشئة لنقل التقنية من المختبرات، ولاستثمار المبتكرات وتسويقها.
وشارك الأمير الدكتور تركي بن سعود بن محمد، رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، والدكتور ليو رافاييل ريف، رئيس معهد ماساتشوستس للتقنية في جلسة نقاشية، تحدثا خلالها عن أهمية استكشاف وبناء الشراكات الجديدة بين الجامعات في السعودية وأمريكا.
وقال رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية إن المدينة وقعت سبع اتفاقيات مع كثير من الجامعات الأمريكية، لافتا إلى برامج خطة «التحول الوطني»، ومنها إنشاء مراكز لدعم حاضنات ومسرعات الأعمال.
الأمير بدر حاصل على درجة الدكتوراه في مجال الفضاء والطيران من جامعة ستانفورد بأمريكا، ويرأس مجلس إدارة شركة "تقنية" المعتمدة على رأس المال الجريء venture capital، وكان أول مشاريعها إطلاق النموذج الأول من الطائرة الأوكرانية إنتونوف (AN-132) العام الماضي، وجاء بعدها تدشين الطائرة الاستراتيجية بدون طيار (صقر1)، ثم الإعلان عن اتفاقية تجميع 150 مروحية من نوع بلاك هوك التي تنتجها شركة "لوكهيد مارتن"، ومن المنتظر أن توفر هذه الصفقة 4500 فرص عمل في السعودية.
وأشار الدكتور ليو رافاييل ريف، رئيس جامعة MIT في بداية حديثه إلى أن أقدم جامعة فى تاريخ العالم على الإطلاق، ليست جامعة بولونيا كما تذكر كتب التاريخ، وإنما هي جامعة القرويين بمدينة فاس بالمغرب، حيث جرى تأسيسها في عام 859م على يد السيدة فاطمة القيروانية.
وذكر الدكتور ريف أن هناك علوما نظرية وأخرى تطبيقية ودور الجامعة تهيئة البيئة المناسبة لتبادل الخبرات والتفاعل المشترك من أجل تسريع عملية الابتكار، والتركيز على تعليم الطلاب مواد الرياضيات والهندسة والعلوم والتقنية ويتم اختصارها بـ STEM، لاكتساب مهارات التفكير النقدي وتعلم طرق مبتكرة في البحث والتحليل، وكذلك وسيلة رائعة لاكتشاف المواهب في هذه المجالات.
ودور الدولة حسب تعبيره توفير الأساسيات مثل بناء البنية التحتية والمدارس ورسم الرؤية الاستراتيجية، وإيجاد القيمة في الاقتصاد، وهنا يأتي دور القطاع الخاص في بناء الشراكات مع الجامعات والاستثمار في مخرجات البحث العلمي وتأسيس الشركات الناشئة.

قيادة الابتكار

تضمن لقاء «الابتكار لتأثير فعال» ندوة تفاعلية بين طلاب جامعة البترول والمعادن وجامعة الفيصل، وجامعة نورة بنت عبدالرحمن مع ضيوف كاوست حول ريادة الأعمال في قطاع التكنولوجيا، ومقومات بيئة الأعمال التنافسية، وتطلعات الشباب، وتمويل الأعمال من خلال رأس المال المخاطر.
وحول دور المنظمات في دعم مشاريع الشباب، أوضح المهندس خليل الشافعي مدير مركز واعد لريادة الأعمال في "أرامكو" في حوار ضمن الحلقات النقاشية، أن برنامج واعد يهدف لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويشمل ذلك تدريب المتقدمين على إعداد خطة العمل ودراسة السوق، وتمويل أصحاب المشاريع الريادية.
وأكد الشافعي الذي عمل مديرا لمركز الملك عبدالله للأبحاث البترولية سابقا ومشرفا على إدارة المعرفة في "أرامكو" أهمية تصميم الحلول العملية لابتكار منتجات مفيدة عبر منهجيةDesign Thinking التي ابتكرها المصمم الشهير ديفيد كيلي مؤسس الشركة الاستشارية آيدو (IDEO)، إذ الهدف منها تركيز التصميم حول الإنسان Human-Centered Design، إذ يتصرف المصمم مثل علماء الأنثربولوجيا يدرس أنماط وسلوكيات العملاء ليستطيع فهم وجهات النظر المختلفة حول نتائج التصميم النهائية Outcomes.
وكانت الدكتورة ليندا هيل اكتشفت عبر أبحاثها في كتابها "العبقرية الجماعية"Collective Genius أن الابتكار لا يتعلق بالعبقرية المنفردة، وإنما بالعبقرية الجماعية، ويتطلب إطلاق العنان للطاقات الكامنة أثناء المحاورات داخل الشركة، خاصة أن الابتكارات نادرا ما تنشأ من الوهلة الأولى، وتأتي عادة نتيجة التجارب المتكررة وتصحيح الأخطاء.
وذكرت هيل أن المنظمات الابتكارية هي مجتمعات تمتلك قدرات ثلاثا: التجريد الإبداعي Creative Abrasion والرشاقة الإبداعية Creative Agility والقرار الإبداعيCreative Resolution.
التجريد الإبداعي متعلق بالقدرة على إيجاد ميدان للأفكار من خلال النقاش والحوار، ولذلك ترحب المنظمات الإبداعية بالاختلافات ولا تحاربها. ولا يعني التجريد الإبداعي العصف الذهني، بل سجالات ساخنة لكنها إيجابية. لأن الابتكار لا يحدث إلا بوجود التنوع والاختلاف. أما الرشاقة الإبداعية تتعلق بالقدرة على تجريب الأفكار وصقلها من خلال الممارسة السريعة والتكييف. لأنها ترتبط بالمعرفة والاكتشاف والسعي نحو المستقبل، وترتبط بالتفكير التصميمي حيث يوجد ذلك المزيج الرائع بين الطريقة العلمية والمقاربة الفنية.
القدرة الأخيرة هي القرار الإبداعي، وهي ترتبط بصنع القرارات بطريقة تمكنك من دمج الأفكار المتعارضة أيضًا لإعادة تشكيلها في تراكيب جديدة وإنتاج حلول مبتكرة. ولو نظرت للمنظمات الابتكارية تجد أن أفرادها لا يجاملون بعضهم ولا يجرون تسويات. ولا يسمحون بهيمنة مجموعة واحدة أو لفرد على حساب البقية، حتى لو كان الرئيس العام، بدلاً من ذلك طوروا عملية صنع قرار أكثر شمولية تتيح لظهور الحلول والمقترحات من أسفل الهرم الإداري.
وقيادة الابتكار هي المكوّن السري Secret Sauce، لكنها نوع مختلف من القيادة، ولو أردنا إنشاء منظمات قادرة على الابتكار المستمر، فعلينا إعادة صياغة فهمنا لماهية القيادة، قيادة الابتكار تتمثل في إيجاد فضاء يُمكّن الأفراد من أداء العمل الشاق المرتبط بعملية معالجة الأزمات، وتهتم القيادة بإيجاد عالم يرغب الأشخاص في الانتماء إليه مثل الساحة العامة حتى يمنح فرصة التفاعل والمشاركة لطرح الإجابات وصنع المبادرات مهما كان منصب الشخص ومستواه حيث يمكنه تقديم الملاحظات للمدير العام.

منارة المعرفة

ويمكن ملاحظة وظيفة هذا اللقاء المعرفي في كاوست الذي يحقق هذه المعايير في توفير المكان حيث يكون المشاركون مستعدين وقادرين على المشاركة بمواهبهم وشغفهم.
كاوست التي تحولت إلى محرك عالمي للابتكار ومقصد للعلماء والحكماء وصناع القرار، وتقدم نموذجا مشرفا في تنظيم مثل هذه الفعاليات بشكل أنيق واحترافي، حيث لا يجد المشارك صعوبة في الوصول إلى قاعات الاجتماعات أو التجول في مرافق الجامعة بكل سهولة ويسر مع الاستمتاع بنسمات البحر المنعشة التي تلطف الأجواء المحيطة بين مباني الجامعة التي سميت بأسماء العلماء المسلمين الكبار مثل الخوارزمي وابن سينا والكندي وابن الجزري والحسن بن الهيثم، ويلفت الانتباه جماليات التصميم العمراني والعناية بالحدائق والتشجير في الممرات وكتابة أسماء النباتات على لوحات إرشادية، والتعريف بها للزوار والمهتمين، وهكذا تعرفنا على نبات كاميروبس البنفسجي الملتف على أشجار النخيل، والمقاوم للتصحر وعوامل التعرية، ويذكرك بمنظر أزهار السوسن البديعة.

الأكثر قراءة