«الروبوت» ومستقبل حياة الإنسان وعمله
قبل فترة وجيزة أثار دخول السيارة ذاتية القيادة في بعض المدن الكبيرة في الشرق والغرب كثيرا من الاستغراب، ولكن لا يبدو أن هذا الاستغراب سيتوقف عند حد معين، خاصة مع تقدم البحث العلمي والابتكار وتطور التقنية، ومع الانخفاض التدريجي في أسعار "الروبوت" والقفزات الكبيرة في تحسن أدائها. فقبل أسابيع قليلة أعلن أن الإنسان الآلي سيمثل ربع العاملين في صناعة السيارات في اليابان، وأعلنت حكومة دبي أن الشرطي الآلي سيدخل الخدمة قريبا ليتحدث ست لغات ويقدم أكثر من 70 خدمة، وأنها تهدف إلى أن يشكل الروبوت نسبة 25 في المائة من قوات شرطتها بحلول عام 2030م.
لا يقتصر عمل "الروبوت" على خطوط الإنتاج في المصانع، بل سيقتحم مجالات جديدة وسيمارس مهنا كثيرة ومتنوعة وغير تقليدية، مثل الاستشارات القانونية وأعمال الشرطة، وربما يقوم بمهام لم تخطر على بال "بشر". فعلى سبيل المثال، فتحت المقابلة التلفزيونية مع "كوكو" الإنسان الآلي الياباني أو "المرأة الآلية" التي تشبه الإنسان وتجيد ثلاث لغات وتتميز بمظهر أنيق، أثارت كثيرا من المناقشات والسخرية، ولكنها فجرت آمال بعض الرجال بزوجة إلكترونية على غرار "كوكو"! (فكما يقال: عش رجبا ترى عجبا). وعلى أية حال، يستند من يدفع باتجاه استخدام "الروبوت" إلى بعض النقاط، مثل: زيادة الدقة، وإتقان العمل، وتقليص الحوادث، والحد من الإصابات، إلى جانب انخفاض التكاليف، وإمكانية توليد أعمال جديدة تتطلب مهارات عالية وتتميز بأجور مرتفعة، علاوة على توسع استخدام الإنسان الآلي بفاعلية ودقة في أعمال صعبة على البشر مثل اكتشاف الفضاء، وإجراء العمليات الجراحية الدقيقة، وتقديم الإغاثة الإنسانية في بيئات صعبة وخطرة عند الكوارث وفي ساحات الحروب.
ربما يعد التوسع في استخدام الإنسان الآلي ضرورة لبعض المجتمعات التي تعاني الشيخوخة والتناقص في أعداد السكان، خاصة تلك التي لا ترغب في فتح الباب للهجرة الوافدة إليها من الخارج خشية التأثير في تركيبتها السكانية، العرقية أو الدينية، مثل اليابان على سبيل المثال، لذلك أعدت الحكومة اليابانية خطة عمل تدعو إلى التوسع في استخدام تكنولوجيا الروبوت "الإنسان الآلي" لتخفيف النقص في العمالة الناجم عن تراجع عدد سكان البلاد من جهة، وزيادة الإنتاجية من ثم زيادة العائدات والأجور من جهة أخرى.
ولكن دخول الإنسان الآلي سيؤدي إلى تفاقم معدلات البطالة في بعض الدول التي تشهد نموا سكانيا مرتفعا، وتعتمد على كثافة الأيدي العاملة في أنشطتها الاقتصادية مثل مصر والهند، خاصة أن أي دولة لن تستطيع أن تبقى بمنأى من تأثير دخول الإنسان الآلي إن عاجلا أو آجلا!
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه: هل الدول والشركات تستوعب أهمية الموضوع ومن ثم تعد العدة وتخطط لمرحلة اقتحام الإنسان الآلي مجالات غير تقليدية؟ وهل وضعت استراتيجيات لتطوير القوى العاملة، ومن ثم الحيلولة دون زيادة معدلات البطالة أو بروز سلبيات للتفاعل بين الإنسان والروبوت؟ في كل الأحوال، لا بد من اتخاذ خطوات سريعة إذا أرادت المجتمعات أن تبقى في دائرة المنافسة وتحافظ على مستويات معيشة سكانها، وذلك من خلال:
- ضرورة دراسة الدور المستقبلي للإنسان الآلي عموما، وأثر التفاعل بين الإنسان والروبوت من النواحي النفسية والوجدانية من أجل الحد من النتائج السلبية التي قد تنجم عن هذه العلاقة أو الارتباط العاطفي خصوصا.
- تطوير القوى العاملة وتدريبها لمواكبة التغيرات التقنية المتسارعة، بحيث تكون القوى العاملة متجددة ومرنة لاستيعاب الفرص والتحديات الجديدة.
- تطوير التعليم بما يوافق التغيرات التقنية من جهة، ومتطلبات سوق العمل المتغيرة من جهة أخرى، علما أن قدرة تطوير النظم التعليمية تعد بطيئة مقارنة بالنمو السريع في تطور التقنية عموما، والذكاء الاصطناعي على وجه الخصوص.