منتجو النفط بين التفاضل والتكامل
التقلبات السعرية في أسواق النفط ليست وليدة اللحظة، بل هي صفة دائمة وملازمة لها منذ بداية تداول النفط وستبقى كذلك حتى تداول آخر برميل فيه.
يهمني هنا أن أسلط الضوء على طبيعة العلاقة بين منتجي النفط، وهي قطعا ليست كعلاقة الوالد بولده التي تمتاز بالتضحية والعطاء بلا مقابل. العلاقة بين المنتجين قائمة على المصالح المشتركة، ومن البدهي أن تبحث كل دولة عن مصلحتها. يختلف تعاطي هذه الدول مع هذا الهدف المشروع، فمنهم من يحقق هدفه بحكمة وبلا ضرر ولا ضرار، ومنهم من يعتقد أن الغاية تبرر الوسيلة وأنه لا مكان للمصداقية في علاقات هكذا!
تتأرجح هذه العلاقة دائما بين التفاضل والتكامل، فتارة يكون التنافس شديدا والسباق محموما لجذب عملاء جدد والوصول إلى أسواق جديدة. يبرز هذا السلوك عندما ينعم الاقتصاد العالمي بنمو ملحوظ، ما يؤدي إلى زيادة الطلب العالمي على النفط، خصوصا من الدول المستهلكة ذات الثقل الكبير كالصين والهند والولايات المتحدة وغيرها.
يصبح الحال غير الحال عند انكماش الاقتصاد العالمي أو عند تباطؤ نموه ما يصيب الأسواق بتخمة نفطية مزعجة تلقي بأعراضها السلبية على جميع المنتجين، خصوصا الدول التي يشكل النفط جلّ إيراداتها. هنا تصبح العلاقة تكاملية يتحد فيها جلّ المنتجين، ويرتفع مستوى الثقة والتضحية بينهم للوصول إلى اتفاق يهدف إلى إنعاش أسواق النفط أو استقرار أسعاره كأقل تقدير. هذا السلوك نراه جليا في هذه المرحلة التي أعتقد أنها مرحلة تكاملية بين أعضاء "أوبك" والمنتجين المستقلين خارجها. ترجم هذا التكامل إلى اتفاقية خفض الإنتاج التي بدأت مطلع عام 2017 وحتى منتصفه، وكانت نسبة الالتزام كبيرة في مجملها مع تحفظي على التزام بعض الأعضاء.
هناك بوادر قوية ومبشرة أنه سيتم تمديد اتفاقية خفض الإنتاج حتى مطلع عام 2018. هذا ما صرحت به السعودية وروسيا وأيده كثير من الدول حتى الآن. أعتقد أن الاتفاق على تمديد خفض الإنتاج سيتم بإذن الله ولا يعتريني شك في ذلك، لأنه أصبح مطلبا رئيسا وملحا لاستقرار أسعار النفط على مستواها الحالي على أقل تقدير. ولعلنا خلال الأشهر القليلة القادمة سنرى مزيدا من الخفض!
النفط الصخري الأمريكي لا يمكن إغفاله كأحد روافد النفط الجديدة، ولا يمكن تجاهل تأثيره الملحوظ في أسواق النفط. في المقابل لا ينبغي إنزاله في غير منزله وتصويره على أنه المتحكم في الأسواق ومنظومة العرض والطلب. لذلك أعتقد أن العلاقة حاليا بين منتجي "أوبك" والمنتجين المستقلين خارجها باستثناء النفط الصخري الأمريكي هي علاقة تكاملية حتمتها المرحلة لتجاوز الأزمة. في المقابل يمكن القول إن العلاقة بين منتجي النفط التقليدي والنفط الصخري الأمريكي علاقة يمكن وصفها بالتنافسية في هذه المرحلة. وكما ذكرنا سابقا أن العلاقة بين منتجي النفط علاقة متأرجحة تحكمها المصالح، لذلك ليس بالمستبعد بل من الطبيعي جدا أن تتحول العلاقة بين النفط التقليدي والنفط الصخري إلى علاقة تكاملية!