رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


محددات التحولات الاجتماعية

تغير الأفراد، والمجتمعات، من سنن الله في الحياة، ذلك أن الركود على وتيرة واحدة يتنافى مع الوضع الطبيعي الذي يتطلب المرونة لمواجهة التغيرات، والظروف، والتغير قد يكون إيجابيا، وفيه صلاح الفرد، والمجتمع، أو قد يكون سلبيا يتضرر منه الفرد، والمجتمع على حد سواء. التغير يحدث أحيانا بصورة سلسة لا نحس بها، وفي أحيان أخرى بصورة مفاجئة، وعنيفة تحدث بسببها ردود فعل قوية، وعنيفة، وصخب، وتشنج، وهذا أمر طبيعي، ومتوقع، فالأمر المفاجئ لا يعطي الفرد فرصة التأمل والتفكير المنظم والمنطقي، لذا تكون ردود الفعل طائشة وغير مدروسة.
التحولات الاجتماعية ذات الطابع الثقافي والحضاري تأخذ وقتها، وتتطلب تحقق الشروط الموضوعية التي منها وعي الناس بأهمية التغيير بشكل عام، ومنها الوعي بقيمة الشيء المستهدف إحداث التغيير فيه من خلال إبانة مزايا التغيير، والإيجابيات المترتبة عليه إضافة إلى بيان سلبيات الإبقاء على الوضع القديم والضرر التراكمي الناجم عنه، فعلى سبيل المثال لا الحصر النقل العام الذي ينفذ الآن في الرياض من مزاياه تسهيل عملية التنقل الجمعي، وتخفيف الزحام، وسرعة التنقل، والحد من التلوث، الناجم من كثرة السيارات، إضافة للحد من استهلاك الطاقة. ولو وضعت السلبيات المترتبة على المشروع من إنفاق، وإرباك لحركة المرور أثناء التنفيذ كعوامل أساسية معيقة لما نفذ المشروع.
القناعة لدى الناس بأهمية التغير المراد إحداثه لها أسباب، منها شعور الناس بأن التغيير في مصلحتهم ويخدم حاضرهم ومستقبلهم، كما أن التغيير لا يتعارض مع قيمهم ومبادئهم خاصة الصحيح منها، وليس ما اعتاد عليه الناس فالرفض وعدم الاستجابة للجديد، غالبا تكون بسبب انجذاب الناس نحو ما ألفوه، حتى لو كان ذا آثار سلبية فيهم وليس له مبرر منطقي أو شرعي.
التحولات الحضارية لها مسبباتها، فالتلاقح الحضاري، والتفاعل بين الأجناس المختلفة بثقافاتهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم يمثل أحد الأسباب، وهذا لا يتحقق في المجتمعات المنغلقة على نفسها وهو ما ينطبق على مجتمعنا، إذ قبل عقود كان تواصلنا مع الآخرين محدودا، ولم يكن عدد الوافدين بهذا العدد الهائل، إلا أن التحولات على المستوى التعليمي والثقافي والاقتصادي استدعت الاستفادة من خبرات الآخرين وآليات العمل لديهم، إضافة إلى الأنظمة والقوانين ذات الطابع العالمي التي تمثل حلقة من حلقات العلاقات الدولية.
المصالح المتبادلة والمشتركة مع الآخرين تعتبر أحد العوامل ذات التأثير في البناء الحضاري فالمنتج له شروطه، ومواصفاته المادية ويحمل معه في الوقت ذاته ثقافته التي يتم تبنيها من قبل من يستوردون البضاعة، فمقود السيارة في بعض الدول المستعمرة من قبل بريطانيا من اليمين، كما هو معمول به في بريطانيا، كما أن ربطة العنق بألوانها وكيفية لبسها تمثل ثقافة خاصة بهذه البضاعة أيضا، ولذا تسهم المصالح التجارية في نقل ثقافات الشعوب من مجتمع إلى آخر. ومن أبرز الأمثلة عبر التاريخ التجار العرب الذين نشروا الإسلام في بقاع الأرض، وهم يمشون في مناكبها سعيا وراء الرزق.
ما سبق يمثل أمثلة بسيطة على التحولات الثقافية التي تشهدها المجتمعات، إلا أن التحولات العميقة تتمثل في التحولات الفكرية، وما يصاحبها من قيم واتجاهات ذات أثر قوي في تماسك المجتمع ومتانته وقدرته على مواجهة التحديات الداخلية، والخارجية خاصة عندما يتبنى البعض أفكارا دخيلة على المجتمع تستهدف وحدته، وتماسكه، إذ إن كل مجتمع يقوم على ركائز أساسية، مثلها مثل أعمدة البناء التي تحمله بكامله، ولو قدر وسقط بعضها يسقط البناء.
عندما كانت الحرب الباردة بين أمريكا، والاتحاد السوفياتي على أشدها، قبل سقوطه كانت حرب الأفكار والقيم والثقافة هي أدوات المتحاربين من خلال الإعلام والقصص والروايات والشائعات والأغاني، لذا وجدت حركات يسارية كثيرة وقوية في أنحاء العالم، ما استدعى المفكرين الاستراتيجيين والساسة والأجهزة الأمنية الأمريكية لمواجهتها بالمثل، أو بالانقلابات العسكرية، متى استعصت عليها المواجهة الفكرية، لما للطرح الاشتراكي من إغراء في حينه، حيث كانت شعارات المساواة والعدالة وزوال الطبقية تغري الفقراء، خاصة الشباب، وما الأحزاب اليسارية في أوروبا إلا مثال على تأثير تلك الأطروحات.
إن احتياجات الناس واحترام ثقافتهم ومستوى وعيهم، وتعليمهم والمحافظة على حقوقهم تمثل قوى رافعة لقبولهم، أو رفضهم للتغيير المراد إحداثه، فمتى ما تحققت هذه الأشياء سهل قبولهم، واندماجهم، بل توليهم دفة التغيير، خاصة حين يرون قدواتهم الذين يثقون بهم يتبنون التغيير، أو يتصرفون وفق قاعدة لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي