غياب الرقابة الإدارية .. وراء تعثر تنفيذ مشاريع الحكومة
لا شك أن تعثر تنفيذ مشاريع الحكومة في المواعيد المقررة يربك أولويات البرامج التي تضطلع بها الحكومة لتحريك الاقتصاد ووضعه في خدمة الناس.
ومن ناحيتها فإن المؤسسات الحكومية تشكو من غياب الرقابة على المقاولين الذين لم يلتزموا بتنفيذ المشاريع في المواعيد المقررة في عقود العمل.
والحقيقة أن مقدم العقد الموقع عليه بين المؤسسة الحكومية والمقاول مبلغ كبير، والهدف منه تمكين المقاول من سرعة مباشرة تنفيذ المشروع ومن متابعة تنفيذ مشاريع الدولة المتفق عليها، ولكن المؤسف أن المبلغ يغري المتلاعبين بالهروب من تنفيذ ما التزموا به من مشاريع.
والمؤسف أن عدد المشاريع المتعثرة بسبب تلاعب المقاولين كبير جدا، بحيث إن هذا العدد يربك أولويات خطط التنمية.
وإذا بحثنا عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تلاعب المقاولين نجدها تتمثل في غياب الرقابة عن متابعة تنفيذ مشاريع الدولة، فالمقاولون عندهم شبه اطمئنان بأن تكاسلهم وتأخرهم في تنفيذ المشاريع لن يقابل بعقوبات رادعة.
وإذا تساءلنا عن المؤسسات الحكومية المسؤولة عن الرقابة نجدها تتمثل في ديوان المراقبة العامة، ومجلس الشورى، وكذلك هيئة الرقابة والتحقيق، ثم أقسام الرقابة داخل المؤسسات الحكومية.
والواقع أن ديوان المراقبة العامة الذي يديره رئيس بمرتبة وزير هو المشكلة الرئيسة في غياب الرقابة، حيث كان يجب أن يقوم بدور الرقيب المتابع الجيد لكل برامج ومشاريع الدولة، أما أنه يكتفي بكتابة التقارير ويرفعها إلى رئاسة مجلس الوزراء، فهذا العمل لا يمكن اعتباره رقابة جادة وفعالة.
نقول مرة أخرى، إن من أهم أسباب انخفاض مستوى تنفيذ المشاريع الحكومية انخفاض مستوى الرقابة الإدارية والمالية، ونحن نهم بتنفيذ برامج "رؤية المملكة 2030" طالما أن الرقابة لم تقم بواجبها على النحو المطلوب، على الرغم من أن وظيفة الرقابة الإدارية ليست وظيفة من وظائف الواجهة، إلا أن العمل الإداري الناجح لا يقوم إلا من خلال هذه الوظيفة المهمة جدا والغائبة جدا عن الإدارة في المملكة العربية السعودية.
دعونا نتساءل: ما الأسباب التي تجعلنا لا نكون ضمن أحسن الدول في تطبيق الشفافية والنزاهة، وأزعم أنه لا يوجد مبرر واحد لا يجعلنا نطبق كل مبادئ الحوكمة، فالدولة تصرف على التعليم والتدريب أموالا طائلة بهدف تخريج الكفاءات القادرة على تنفيذ الأعمال والبرامج، كما أن الدولة وكل السعوديين يدينون بالدين الإسلامي الحنيف الذي يفرض على كل مسلم ومسلمة أن يتقي الله فيما يعمل ويقدم لحكومته وأمته.
إذن، ما الأسباب التي تجعل المملكة لا تحقق مركزا متقدما على قائمة الشفافية والنزاهة والتنافسية الدولية؟ ثم ما الأسباب التي تجعل معدل تنفيذ المشاريع الحكومية يتراجع ويجعل إمارة مثل إمارة مكة المكرمة تنشئ إدارة لعلاج أسباب انخفاض معدلات تنفيذ المشاريع الحكومية، بل يجعل الحكومة تقلق من ظاهرة انخفاض معدلات تنفيذ المشاريع الحكومية، فتسارع وتصدر نظاما لقياس الأداء لمعرفة المؤسسات المنتجة من المؤسسات غير المنتجة.
إن معدلات تنفيذ بناء المدارس الحكومية التي اعتمدت في الميزانيات الحكومية، وكذلك معدلات بناء المستشفيات والمراكز الصحية، ومعدلات بناء الجامعات، ومعدلات بناء الطرق والكباري والسدود، تعاني انخفاضا ملحوظا، وأخذ "الوقت" الذي أصبح ــ عند كثير من علماء الاقتصاد ــ عنصرا من أهم عناصر الإنتاج يضيع، وتضيع معه أحسن الفرص المتاحة.
لقد قال الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد في المقابلة التي أجرتها معه قناة "إم بي سي"، قال بـ"الفم المليان": لن يفلت وزير أو أمير فاسد من المحاسبة إذا ثبت أنه ارتكب فسادا.
إن ديوان المراقبة العامة، ومن الاسم الذي يحمله الديوان جامع مانع، أي أنه هو المراقب العام على كل أجهزة الدولة من البداية حتى النهاية، وإذا فرط الديوان في مسؤولياته، فإن الديوان نفسه في موضع تساؤلات!!
ولذلك فإنني أتمنى من كل مؤسسات الرقابة في المملكة أن تتعاون لمحاسبة ومساءلة المسؤولين الحكوميين الذين يطلقون التصريحات الإعلامية الرنانة عند الاحتفال بتدشين المشاريع أو عند الاحتفال بانتهاء تنفيذ المشاريع، وطبعا في الحالتين، فإن كثيرا من المسؤولين يغتنمون فرصة وجود حشد من الإعلاميين فى مثل هذه الاحتفالات ويطلقون التصريحات النارية إياها التي تنطوي على كثير من المبالغات لتظهرهم لدى الجهات الأعلى والأسمى بأنهم الحادبون على علاج مشكلات المواطنين.
إننا نتمنى من مجلس الشورى الذي يقوم حاليا بمناقشة نظام الحوكمة في القطاع العام أن يواصل أعماله الإيجابية ويلح في طلب مزيد من المسؤولين وبالذات رئيس ديوان المراقبة العامة ووزير المياه والكهرباء للمثول أمام المجلس الموقر لتقديم خططهما الرامية إلى القضاء على مشكلة القصور في الرقابة الإدارية والمالية والمياه والصرف الصحي في مدينة جدة وفي جميع مدن وقرى المملكة.